وقوله : * ( الْحَكِيمُ ) * يحتمل أمرين :
أحدهما : المدبر الّذي يحكم الصنع ، يحسن التدبير .
والثاني : بمعنى عليم ، والأوّل بمعنى حكيم في فعله بمعنى محكم ، فعدل إلى حكيم للمبالغة ، وإنّما ذكر الحكيم ها هنا لأنّه يتصل بالدعاء ، كأنّه قال : فزعنا إليك ، لأنّك القادر على إجابتنا العالم بما في ضمائرنا ، وبما هو أصلح لنا ممّا لا يبلغه علمنا .
قوله تعالى : * ( ومَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وإِنَّهُ فِي الآْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) * آية بلا خلاف ( 130 ) .
قوله : * ( وَمَنْ يَرْغَبُ ) * فالرغبة المحبة لما فيه للنفس منفعة ، ورغب فيه ضد رغب عنه ، والرغبة : المحبة ، والرغبة والمحبة والإرادة نظائر ، وبينهما فرق ، نقيض الرغبة الرهبة ، ونقيض المحبة البغضة ، ونقيض الإرادة الكراهية .
ومعنى قوله : * ( وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ) * اخترناه للرسالة والصفو التميز من سائر الكدر ، واصطفيناه على وزن افتعلناه من الصفوة ، وإنّما قلبت التاء طاء ، لأنّها أشبه بالصاد بالاستعلاء والاطباق ، وهي من مخرج التاء فأتى بحرف وسط بين الحرفين ، والاصطفاء والاختيار والإجتباء نظائر ، والصفاء والنقاء والخالص نظائر ، والصفاء نقيض الكدر ، وصفوة كلّ شيء خالصه من صفوة الدنيا ، وصفوة الماء وصفوة الإخاء تقول : صفا صفاء .
قوله : * ( وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ ) * إنّما خصّ الآخرة بالذكر وإن كان في الدنيا كذلك ، لأنّ المعنى من الذين يستوجبون على الله الكرامة وحسن الثواب ، فلما كان خلوص الثواب في الآخرة دون الدنيا ، وصفه بما ينبئ عن