قال البلخي : الكلمات هي الإمامة على ما قال مجاهد ، قال : لأنّ الكلام متصل ولم يفصل بين قوله : * ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) * وبين ما تقدّمه بواو ، فأتمهنّ الله بأن أوجب بها الإمامة له بطاعته واضطلاعه ، ومنع أن ينال العهد الظالمين من ذريته ، وأخبره بأنّ منهم ظالماً فرضي به وأطاعه وكلّ ذلك ابتلاء واختبار .
والتمام والكمال والوفاء نظائر ، وضد التمام النقصان .
وقوله : * ( مِنْ ذُرِّيَّتِي ) * معناه واجعل من ذريتي من يؤتم به ، ويقتدى به ، على قول الربيع وأكثر المفسّرين .
وقال بعضهم : معناه أنّه سأل لعقبه أن يكونوا على عهده وورثته ، كما قال : * ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) * [1] فأخبره الله أنّ في عقبه الظالم المخالف له وذريته ، بقوله : * ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) * ، والأوّل أظهر .
وقال الجبائي قوله : * ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) * سؤال منه لله أن يعرّفه هل في ذريته من يبعثه نبياً ، كما بعثه هو ، وجعله إماماً ، وهذا الّذي قاله ليس في الكلام ما يدلّ عليه ، بل الظاهر خلافه ، ولو احتمل ذلك لم يمتنع أن يضيف إلى مسألة منه لله أن يفعل ذلك بذريته مع سؤاله تعريفه ذلك .
والذرية ، والنسل ، والولد نظائر ، وأراد إبراهيم ( عليه السلام ) هذا ، وقال بعضهم : عبّر بالذرية عن الآباء ، وقال تعالى : * ( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) * [2] أي آباءهم ، وهذا ليس بواضح ، وبعض العرب ذرية - بكسر الذال - وبها قرأ زيد بن ثابت .