أحدهما : أنّه أخرج ذلك مخرج الجنس ، فدلّ على الجمع ، كما قيل أهلك الناس الدينار والدرهم .
والآخر : أنّه على الحذف ، كأنّه قيل المشرق الّذي تشرق منه الشمس كلّ يوم ، والمغرب الّذي تغرب فيه كلّ يوم ، وإنّما خصّ الله تعالى ذكر ذلك ها هنا لأحد أمور :
أحدها : قال ابن عباس : واختاره الجبائي أنّه رد على اليهود لما أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة ، وقال : ليس هو في جهة دون جهة ، كما تقول المشبهة .
والثاني : قال ابن زيد وقتادة : كان للمسلمين التوجّه بوجوههم إلى الصلاة حيث شاؤوا ، ثم نسخ ذلك بقوله : * ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام ) * [1] وإنّما كان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أولاً اختار التوجّه إلى بيت المقدس ، وقد كان له التوجّه إلى حيث شاء .
وقال آخرون : كان ابن عمر يصلّي حيث توجّهت به راحلته في السفر تطوعاً ، وذكر أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يفعل ذلك ويتأوّل عليه الآية .
وقيل : نزلت في قوم صلّوا في ظلمة وقد خفيت عليهم جهة القبلة ، فلما أصبحوا إذا هم صلّوا إلى غير القبلة ، فأنزل الله هذه الآية ، وهذا قول عبد الله بن عامر عن أبيه والنخعي ، والأوّل أقوى الوجوه .
وقوله : * ( فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) * المراد بالوجه فيه اختلاف ، قال الحسن ومجاهد : المراد به فثمّ جهة القبلة ، وهي الكعبة ، لأنّه يمكن التوجّه إليها من كلّ مكان . قال ابن بيض :
أيّ الوجوه انتجعت قلت لها * * لأيّ وجه إلاّ إلى الحكم متى يقل صاحبا يرادفه * * هذا ابن بيض بالباب يبتسم