بحدوث العلم ، وإنّما يحكى عن بعض من تقدّم من شيوخ المعتزلة - كالنظام والجاحظ وغيرهما - وذلك باطل . وكذلك لا يقولون : انّ المتأخّر ينسخ المتقدّم إلاّ بالشرط الّذي يقوله جميع من أجاز النسخ ، وهو أن يكون بينهما تضاد وتناف لا يمكن الجمع بينهما ، وأمّا على خلاف ذلك فلا يقوله محصل منهم .
والوجه في تكرير القصة بعد القصة في القرآن ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الأنباء والقصص مكرّرة ، لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم ، وقصة نوح إلى قوم آخرين ، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كلّ سمع ، ويثبتها في كلّ قلب ، ويزيد الحاضرين في الافهام .
وتكرار الكلام من جنس واحد ، وبعضه يجري على بعض ، كتكراره في : قل يا أيها الكافرون ، وسورة المرسلات ، والرحمن فالوجه فيه ، أنّ القرآن نزل بلسان القوم ، ومذهبهم في التكرار - إرادة للتوكيد وزيادة في الافهام - معروف كما أنّ من مذهبهم الايجاز والاختصار إرادة للتخفيف ، وذلك أنّ افتنان المتكلّم والخطيب في الفنون ، وخروجه من شيء إلى شيء ، أحسن من اقتصاره من المقام على فن واحد ، وقد يقول القائل : والله لأفعله ثمّ والله لأفعله ، إذا أراد التوكيد كما يقول : أفعله بحذف اللام إذا أراد الإيجاز .
قال الله تعالى : * ( كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) * [1] وقال : * ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) * [2] وقال الله تعالى : * ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) * [3] وقال : * ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ