قال الرماني : وهذا الوجه غلط ، لأنّ إبليس ليس من الملائكة ، ولأنّ القول على العموم لا يجوز أن يصرف إلى الخصوص بغير دلالة ، وهذا الوجه اختاره الطبري ، وقال : هو بمنزلة قولهم : قُتل الجيش وهزموا ، وإنّما قتل البعض .
قال الرماني : إنّما يقال ذلك إذا حلّ قتل الواحد محل قتل الجميع ، مثل قتل الرئيس أو من يقوم مقامه ، ولا يقال أيضاً إلاّ والدلالة عليه ظاهرة ، وليس كذلك في الآية ، وقد روي روايات في هذا المعنى ، والوجه في هذا أنّ إبليس لما دخل معهم في الأمر بالسجود ، جاز أن يستثنى من جملتهم .
والثالث : قيل إنّ الله تعالى لمّا خلق آدم ، مرّت به الملائكة قبل أن ينفخ فيه الروح ، ولم تكن رأت مثله قبل ، فقالت : لن يخلق الله خلقاً إلاّ كنّا أكرم منه وأفضل عنده ، فزعم أنّ هذا الّذي أخفوه في نفوسهم وإنّ الّذي أبدوه قولهم : * ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ) * روي ذلك عن الحسن ، والوجه الأوّل أقوى ، لأنّه أعم ، ويدخل فيه هذا الوجه ، ولا دلالة يقطع بها على تخصيص الآية .
فإن قيل : ما وجه ذكره تعالى لهم الإسرار من علم الغيب ؟
قلنا : على وجه الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد ويسفك الدماء ، وذلك على وجه التعريض بالجواب دون التصريح ، لأنّه لو صرح به لقال : خلقت من يفسد ويسفك الدماء لما أعلم في ذلك من المصلحة لجملة عبادي فيما كلّفتهم إياه وأمرتهم به ، فدلّ في الإحالة في الجواب على العلم بباطن الأمور ، وظاهرها أنّه خلقهم لأجل علمه بالمصلحة في ذلك ، ودلّهم بذلك على أنّ عليهم الرضا والتسليم لقضاء الله ، لأنّ الله يعلم من الغيب ما لا يعلمونه ، ويعلم من مصالحهم ما لا يعلمونه في دينهم ودنياهم .
فإن قيل : وأيّ شيء في تعلّم آدم الأسماء كلّها ممّا يدلّ على علم الغيب ؟
قلنا : لأنّه علّمه الأسماء كلّها بما فيها من المعاني التي تدلّ عليها على جهة فتق لسانه بذلك وإلهامه إياه ، وهي معجزة أقامها الله تعالى للملائكة تدلّ