أنّهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا ، كانوا من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد .
والثاني : أنّه وقع في نفوسهم أنّه لم يخلق الله خلقاً إلاّ كانوا أفضل منهم في سائر أبواب العلم ، فقيل : إن كنتم صادقين في هذا الظن فأخبروا بهذه الأسماء .
والثالث : قال ابن عباس : إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة ف * ( أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) * لأنّ كلّ واحد من الأمرين من علم الغيب ، فكما لا تعلمون ذا لا تعلمون الآخر .
والرابع : ما ذكره الأخفش والجبائي وابن الأخشيد : إن كنتم صادقين فيما تخبرون به من أسمائهم ، كقول القائل للرجل : أخبرني بما في يدي إن كنت صادقاً ، أي إن كنت تعلم فأخبر به ، لأنّه لا يمكن أن يصدق في مثل ذلك إلاّ إذا أخبر عن علم منه ، ولا يصحّ أن يكلّف ذلك إلاّ مع العلم به ، ولا بدّ إذا استدعوا إلى الإخبار عمّا لا يعلمون من أن يشرط بهذا الشرط ، ووجه ذلك التنبيه ، كما يقول العالم للمتعلم : ما تقول في كذا ، ويعلم أنّه لا يحسن الجواب لينبهه عليه ، ويحثّه على طلبه ، والبحث عنه ، فلو قال له : اخبر بذلك إن كنت تعلم ، أو قال له : إن كنت صادقاً ، لكان حسناً ، فإذا نبهه على أنّه لا يمكنه الجواب أجابه ، حينئذٍ فيكون جوابه بهذا التدريج أثبت في قلبه ، وأوقع في نفسه .
وقوله : * ( أَنْبِئُونِي ) * قال قوم : هو أمر مشروط ، كأنّه قيل : إن أمكنكم أن تخبروا بالصدق فيه فافعلوا ، وقيل : إنّ لفظه لفظ الأمر ومعناه التنبيه على ما بيّناه في سؤال العالم للمتعلم ، ولا يجوز أن يكون ذلك تكليفاً ، لأنّه لو كان تكليفاً ، لم يكن تنبيهاً لهم على أنّ آدم لم يعرف من أسماء هذه الأشياء بتعريف الله إياه ذلك ما لا يعرفون ، فلما أراد تعريفهم ما خصّ به آدم ، من ذلك علمنا أنّه ليس بتكليف .