وقال ابن عباس : إنّه كان في الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء فأُهلكوا ، فجعل الله آدم وذريته بدلهم .
وقال الحسن البصري : إنّما أراد بذلك قوماً يخلف بعضهم بعضاً من ولد آدم الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحقّ وعمارة الأرض .
وقال ابن مسعود : أراد إنّي جاعل في الأرض خليفة يخلفني في الحكم بين الخلق ، وهو آدم ، ومن قام مقامه من ولده ، وقيل إنّه يخلفني في إنبات الزرع وإخراج الثمار ، وشق الأنهار .
وقيل : إنّ الأرض أراد بها مكة ، روي ذلك عن ابن سارط ، أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : “ دحيت الأرض من مكة ولذلك سمّيت أم القرى ” . قال : دفن نوح وهود وصالح وشعيب بين زمزم والمقام ، وقال قوم : انّها الأرض المعروفة ، وهو الظاهر .
وقوله : * ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) * وروي أنّ خلقاً يقال لهم الجانّ كانوا في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله تعالى ملائكة أجلتهم من الأرض ، وقيل : إنّ هؤلاء الملائكة كانوا سكان الأرض بعد الجان فقالوا : يا ربّنا أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء ، على وجه الاستخبار منهم والاستعلام عن وجه المصلحة والحكمة لا على وجه الإنكار ، كأنّهم قالوا : إن كان هذا كما ظننا فعرّفنا وجه الحكمة فيه .
وقال قوم : المعنى فيه إنّ الله أعلم الملائكة إنّه جاعل في الأرض خليفة ، وإنّ الخليفة فرقة تسفك الدماء وهي فرقة من بني آدم ، فأذن الله للملائكة أن يسألوه عن ذلك ، وكان إعلامه إيّاهم هذا زيادة على التثبيت في نفوسهم انّه يعلم الغيب ، فكأنّهم قالوا : أتخلق فيها قوماً يسفكون الدماء ، ويعصونك ، وإنّما ينبغي أنّهم إذا عرفوا أنّك خلقتهم أن يسبّحوا بحمدك كما نسبّح ويقدّسوا كما نقدّس ؟