يعني أبلغها رسالتي ، فسمّيت الملائكة ملائكة بالرسالة ، لأنّها رسل الله بينه وبين أنبيائه ، ومن أرسل من عباده ، هذا عند من يقول : إنّ جميع الملائكة رسل فأمّا ما يذهب إليه أصحابنا أنّ فيهم رسلاً وفيهم من ليس برسل ، فلا يكون الاسم مشتقاً ، بل يكون علماً أو اسم جنس ، إنّ جميعهم ليسوا رسل الله لقوله تعالى : * ( يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ) * [1] فلو كانوا جميعاً رسلاً ، لكانوا جميعاً مصطفين ، لأنّ الرسول لا يكون إلاّ مختاراً مصطفى ، وكما قال : * ( وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ ) * [2] .
وقوله : * ( إِنِّي جَاعِلٌ ) * أي فاعل وخالق ، وهما يتقاربان ، قال الرماني : حقيقة الجعل : تصيير الشيء على صفة ، والإحداث حقيقة : إيجاد الشيء بعد أن لم يكن موجوداً ، والخليفة : الفعيلة من قولهم : خلف فلان فلاناً في هذا الأمر : إذا قام مقامه فيه بعده ، لقوله تعالى : * ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) * [3] يعني بذلك : أبدلكم في الأرض منهم ، فجعلكم خلفاً في الأرض من بعدهم ، وسمّي الخليفة خليفة من ذلك ، لأنّه خلف مَن كان قبله ، فقام مقامه . الخلَف - بتحريك اللام - يقال : فيمن كان صالحاً - وبتسكين اللام - إذا كان طالحاً ، قال الله تعالى : * ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) * .
وروي عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : “ ينقل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ” ، وقال قوم : سمّى الله تعالى آدم خليفة ، لأنّه جعل آدم وذريته خلفاء الملائكة ، لأنّ الملائكة كانوا سكان الأرض .