ويقولون للرجل إذا أدخل الفضة النار ليعلم فسادها من صلاحها ، وظهر فسادها : أفسدت فضتك ، ولا يرون أنّه فعل فيها فساداً ، وإنّما يريدون أنّ فسادها ظهر عند محنته ، ويقرب من ذلك قولهم : فلان أضل ناقته ، ولا يريدون أنّه أراد أن تضل ، بل يكون قد بالغ في الاستتار منها ، وإنّما يريدون ضلّت منه لا من غيره ، ويقولون : أفسدت فلانة فلاناً ، وأذهبت عقله ، وهي لا تعرفه ، لكنه لمّا فسد وذهب عقله من أجلها ، وعند رؤيته إياها قيل : قد أفسدت ، وأذهبت عقله .
ومنها : التخلية على جهة العقوبة وترك المنع بالقهر والإجبار ، ومنع الألطاف التي يؤتيها المؤمنين جزاء على إيمانهم ، كما يقول القائل لغيره : أفسدت سيفك ، إذا ترك أن يصلحه ، لا يريد أنّه أراد أن يفسد أو أراد سبب فساده ، أو لم يحب صلاحه ، لكنّه تركه فلم يحدث فيه الإصلاح - في وقت - بالصقل والاحداد ، وكذلك قولهم : جعلت أظافيرك سلاحاً ، وانّما يريدون تركت تقليمها .
ومنها التسمية بالإضلال والحكم به كافراً ، يقال : أضلّه إذا سمّاه ضالاً ، كما يقولون : أكفره إذا سمّاه كافراً ونسبه إليه ، قال الكميت :
وطائفة قد أكفروني بحبكم * وطائفة قالوا مسيئ ومذنب [1] ومنها الاهلاك والتدمير ، قال الله تعالى : * ( أإذا ضللنا في الأرض ) * أي هلكنا ، فيجوز أن يكون أراد بالآية : حكم الله على الكافرين ، وبراءته منهم ولعنه إياهم إهلاكاً لهم ، ويكون إضلاله إضلالاً كما كان الضلال هلاكاً ، وإذا كان الضلال ينصرف على هذه الوجوه ، فلا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى أقبحها وهو ما أضافه إلى الشيطان ، بل ينبغي أن ينسب إليه أحسنها وأجلّها .