نام کتاب : مفردات ألفاظ القرآن نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 510
صعب جدا ، قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلم : « استقيموا ولن تُحْصُوا » [1] وقال بعض الحكماء : كوننا مصيبين من وجه وكوننا ضَالِّينَ من وجوه كثيرة ، فإنّ الاستقامة والصّواب يجري مجرى المقرطس من المرمى ، وما عداه من الجوانب كلَّها ضَلَالٌ . ولما قلنا روي عن بعض الصالحين أنه رأى النبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلم في منامه فقال : يا رسول اللَّه يروى لنا أنّك قلت : « شيّبتني سورة هود وأخواتها فما الذي شيّبك منها ؟ فقال : قوله : * ( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) * » [2] . وإذا كان الضَّلَالُ تركَ الطَّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا ، صحّ أن يستعمل لفظ الضَّلَالِ ممّن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب الضَّلَالُ إلى الأنبياء ، وإلى الكفّار ، وإن كان بين الضَّلَالَيْنِ بون بعيد ، ألا ترى أنه قال في النّبي صلَّى اللَّه عليه وسلم : * ( ووَجَدَكَ ضَالاًّ ) * فَهَدى [ الضحى / 7 ] ، أي : غير مهتد لما سيق إليك من النّبوّة . وقال في يعقوب : * ( إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ ) * الْقَدِيمِ [ يوسف / 95 ] ، وقال أولاده : * ( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) * [ يوسف / 8 ] ، إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه ، وكذلك : * ( قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) * [ يوسف / 30 ] ، وقال عن موسى عليه السلام : * ( فَعَلْتُها إِذاً وأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) * [ الشعراء / 20 ] ، تنبيه أنّ ذلك منه سهو ، وقوله : * ( أَنْ تَضِلَّ ) * إِحْداهُما [ البقرة / 282 ] ، أي : تنسى ، وذلك من النّسيان الموضوع عن الإنسان . والضَّلَالُ من وجه آخر ضربان : ضَلَالٌ في العلوم النّظريّة ، كالضَّلَالِ في معرفة اللَّه ووحدانيّته ، ومعرفة النّبوّة ، ونحوهما المشار إليهما بقوله : * ( ومَنْ يَكْفُرْ بِالله ومَلائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه والْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ) * ضَلالًا بَعِيداً [ النساء / 136 ] . وضَلَالٌ في العلوم العمليّة ، كمعرفة الأحكام الشّرعيّة التي هي العبادات ، والضَّلَالُ البعيدُ إشارةٌ إلى ما هو كفر كقوله على ما تقدّم من قوله : * ( ومَنْ يَكْفُرْ بِالله ) * [ النساء / 136 ] ، وقوله : * ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله قَدْ ضَلُّوا ) * ضَلالًا بَعِيداً [ النساء / 167 ] ، وكقوله : * ( فِي الْعَذابِ والضَّلالِ ) * الْبَعِيدِ [ سبأ / 8 ] ، أي : في عقوبة الضَّلَالِ البعيدِ ، وعلى ذلك قوله : * ( إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ ) * كَبِيرٍ [ الملك / 9 ] ، * ( قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا ) * كَثِيراً وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [ المائدة / 77 ] ، وقوله : * ( أَإِذا ضَلَلْنا ) * فِي الأَرْضِ [ السجدة / 10 ] ، كناية عن الموت واستحالة البدن . وقوله :
[1] الحديث عن ثوبان قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم : « استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن » أخرجه مالك في الموطأ 1 / 34 ، وأحمد 5 / 280 ، والحاكم 1 / 130 ، والدارمي من طرق صحاح 1 / 168 . [2] الحديث تقدّم في مادة ( حصا ) ص 241 .
نام کتاب : مفردات ألفاظ القرآن نویسنده : الراغب الأصفهاني جلد : 1 صفحه : 510