قوله ( وإذا ضربتم ) قد تقدم تفسير الضرب في الأرض قريبا . قوله ( فليس عليكم جناح ) فيه دليل على أن القصر ليس بواجب ، وإليه ذهب الجمهور . وذهب الأقلون إلى أنه واجب ، ومنهم عمر ابن عبد العزيز والكوفيون والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان ، وهو مروي عن مالك . واستدلوا بحديث عائشة الثابت في الصحيح " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر " ولا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت ، فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومثله حديث يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب قلت ( ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقد أمن الناس ، فقال لي عمر :
عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن . وظاهر قوله " فاقبلوا صدقته " أن القصر واجب . قوله ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ظاهر هذا الشرط أن القصر لا يجوز في السفر إلا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن ، ولكنه قد تقرر بالسنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصر مع الأمن كما عرفت ، فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب ، والقصر مع الأمن ثابت بالسنة ، ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضته ما تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم من القصر مع الأمن . وقد قيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب ، لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الأسفار ، ولهذا قال يعلى بن أمية لعمر ما قال كما تقدم . وفي قراءة أبي ( أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا ) بسقوط ( إن خفتم ) والمعنى على هذه القراءة : كراهة أن يفتنكم الذين كفروا . وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو ، فمن كان آمنا فلا قصر له .
وذهب آخرون إلى أن قوله ( إن خفتم ) ليس متصلا بما قبله وأن الكلام تم عند قوله ( من الصلاة ) ثم افتتح فقال ( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف . وقوله ( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) معترض ، ذكر معنى هذا الجرجاني والمهدوي وغيرهما . ورده القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي . وقد حكى القرطبي عن ابن عباس معنى ما ذكره الجرجاني ومن معه ، ومما يرد هذا ويدفعه الواو في قوله ( وإذا كنت فيهم ) وقد تكلف بعض المفسرين فقال : إن الواو زائدة وإن الجواب للشرط المذكور ، أعني قوله ( إن خفتم ) هو قوله