غير مبرح ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " ) . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن زمعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ؟ ثم يجامعها في آخر اليوم " .
قد تقدم معنى الشقاق في البقرة ، وأصله أن كل واحد منهم يأخذ شقا غير شق صاحبه : أي ناحية غير ناحيته وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى " بل مكر الليل والنهار " وقوله :
* يا سارق الليلة أهل الدار * والخطاب للأمراء والحكام ، والضمير في قوله ( بينهما ) للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما ، وهو ذكر الرجال والنساء ( فابعثوا ) إلى الزوجين ( حكما ) يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وإنصافا وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقعد بمعرفة أحوالهما ، وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم ، وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسئ منهما ، فأما إذا عرف المسئ فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه ، وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما ، فإن قدرا على ذلك عملا عليه ، وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين . وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق ، وهو مروي عن عثمان وعلي وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي ، وحكاه ابن كثير عن الجمهور ، قالوا : لأن الله قال ( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) وهذا النص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان . وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولي الشافعي : إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ، ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم ، لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق ، ويرشد إلى هذا قوله ( إن يريدا ) أي الحكمان ( إصلاحا ) بين الزوجين ( يوفق الله بينهما ) لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق . ومعنى ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) أي يوقع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة . ومعنى الإرادة :
خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين ، وقيل إن الضمير في قوله ( يوفق الله بينهما ) للحكمين كما في قوله ( إن يريدا إصلاحا ) أي يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما ، وقيل كلا الضميرين للزوجين :
أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق ، وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف .
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( وإن خفتم شقاق بينهما ) قال : هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسئ ، فإن كان الرجل هو المسئ حجبوا امرأته عنه وقسروه على النفقة ، وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة ، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز ، فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ذلك ثم مات أحدهما ، فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي ( إن يريدا إصلاحا ) قال : هما الحكمان ( يوفق الله بينهما ) وكذلك كل مصلح يوفقه للحق والصواب .
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن