له يقال لها سبل لم يكن له مال أحب إليه منها ، فقال : هي صدقة . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله تعالى ( لن تنالوا البر ) قال : الجنة . وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي مثله . وأخرج ابن المنذر عن مسروق مثله .
قوله ( كل الطعام ) أي المطعوم ، والحل مصدر يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث ، وهو الحلال وإسرائيل هو يعقوب كما تقدم تحقيقه . ومعنى الآية : أن كل المطعومات كانت حلالا لبني يعقوب ، لم يحرم عليهم شئ منها إلا ما حرم إسرائيل على نفسه . وسيأتي بيان ما هو الذي حرمه على نفسه ، وهذا الاستثناء متصل من اسم كان . وقوله ( من قبل أن تنزل التوراة متعلق بقوله ( كان حلا ) أي أن كل المطعومات كانت حلالا ( من قبل أن تنزل التوراة ) أي كان ما عدا المستثنى حلالا لهم ( من قبل أن تنزل التوراة ) مشتملة على تحريم ما حرمه عليهم لظلمهم ، وفيه رد على اليهود لما أنكروا ما قصه الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أن سبب ما حرمه الله عليهم هو ظلمهم وبغيهم كما في قوله - فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية .
وقوله - وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما - إلى قوله - ذلك جزيناهم ببغيهم - وقالوا إنها محرمة على من قبلهم من الأنبياء ، يريدون بذلك تكذيب ما قصه الله على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه العزيز ، ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم ويجعل بينه وبينهم حكما ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه ( فقال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) حتى تعلموا صدق ما قصه الله في القرآن من أنه لم يحرم على بني إسرائيل شئ من قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه . وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه ، ثم قال ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ) أي من بعد إحضار التوراة وتلاوتها ( فأولئك هم الظالمون ) أي المفرطون في الظلم المتبالغون فيه فإنه لا أظلم ممن حوكم ما إلى كتابه وما يعتقده شرعا صحيحا ، ثم جادل من بعد ذلك مفتريا على الله الكذب ، ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحجة عليهم بكتابهم باطلا مدفوعا ، وكان ما قصه الله سبحانه في القرآن وصدقته التوراة صحيحا صادقا ، وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه ، أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينادى بصدق الله بعد أن سجل عليهم الكذب ، فقال ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم ) أي ملة الإسلام التي أنا عليها ، وقد تقدم بيان معنى الحنيف ، وكأنه قال لهم إذا تبين لكم صدقي وصدق ما جئت به فادخلوا في ديني ، فإن من جملة ما أنزله الله علي - ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه - .
وقد أخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس " أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : فأخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا تحريم الإبل وألبانها فلذلك