حرمها ، قالوا صدقت " وذكر الحديث . وأخرجه أيضا أحمد والنسائي . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال : العرق أجده عرق النساء ، فكان يبيت له زق يعني صياح ، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحما فيه عرق ، فحرمته اليهود . وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس من قوله ما أخرجه الترمذي سابقا عنه مرفوعا . وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول : الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال : قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل ، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) وكذبوا ليس في التوراة .
هذا شروع في بيان شئ آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل ، وذلك أنهم قالوا : إن بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة فرد الله ذلك عليهم بقوله ( إن أول بيت وضع للناس ) الآية ، فقوله ( وضع ) صفة لبيت وخبر إن قوله ( للذي ببكة ) فنبه تعالى بكونه أول متعبد على أنه أفضل من غيره ، وقد اختلف في الباني له في الابتداء ، فقيل الملائكة ، وقيل آدم ، وقيل إبراهيم ويجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة ثم جدده آدم ، ثم إبراهيم . وبكة علم للبلد الحرام وكذا مكة وهما لغتان ، وقيل إن بكة اسم لموضع البيت ، ومكة اسم للبلد الحرام ، وقيل بكة للمسجد ، ومكة للحرم كله ، قيل سميت بكة لازدحام الناس في الطواف ، يقال بك القوم : ازدحموا ، وقيل البك : دق العنق ، سميت بذلك لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة . وأما تسميتها بمكة ، فقيل سميت بذلك لقلة ما بها ، وقيل لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة ، ومنه مككت العظم : إذا أخرجت ما فيه ، ومك الفصيل ضرع أمه ، وامتكه : إذا امتصه ، وقيل سميت بذلك لأنها تمك من ظلم فيها : أي تهلكه . قوله ( مباركا ) حال من الضمير في وضع ، أو من متعلق الظرف لأن التقدير للذي استقر ببكة مباركا والبركة : كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه أو يقصده ، أي الثواب المتضاعف . والآيات البينات الواضحات :
منها الصفا والمروة ، ومنها أثر القدم في الصخرة الصماء ، ومنها أن الغيث إذا كان بناحية الركن اليماني كان الخصب في اليمن ، وإن كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام ، وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ، ومنها انحراف الطيور عن أن تمر على هوائه في جميع الأزمان ، ومنها هلاك من يقصده من الجبابرة وغير ذلك . وقوله ( مقام إبراهيم ) بدل من آيات قاله محمد بن يزيد المبرد . وقال في الكشاف : إنه عطف بيان . وقال الأخفش : إنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير منها مقام إبراهيم ، وقيل هو خبر مبتدأ محذوف أي هي مقام إبراهيم وقد استشكل صاحب الكشاف بيان الآيات وهي جمع بالمقام وهو فرد . وأجاب بأن المقام جعل وحده بمنزلة آيات لقوة شأنه أو بأنه مشتمل على آيات . قال : ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله ، لأن الاثنين نوع من الجمع . قوله ( ومن دخله كان آمنا ) جملة مستأنفة لبيان حكم من أحكام الحرم وهو أن من دخله كان آمنا ، وبه استدل من قال : إن من لجأ إلى الحرم وقد وجب عليه حد من الحدود فإنه لا يقام عليه الحد حتى يخرج