responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 335


وضعت ، فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته والتفخيم لشأنه والتجليل لها حيث وقع منها التحسر والتحزن ، مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين وعبرة للمعتبرين ، ويختصها بما لم يختص به أحدا . وقرأ ابن عباس " بما وضعت " بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها : أي إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الأفهام وتتضافر عندها العقول . قوله ( وليس الذكر كالأنثى ) أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت ، فإن غاية ما أرادت من كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما للكنيسة ، وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم . وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته ، واللام في الذكر والأنثى للعهد ، هذا على قراءة الجمهور وعلى قراءة ابن عباس وأما على قراءة أبي بكر وابن عامر فيكون قوله ( وليس الذكر كالأنثى ) من جملة كلامها ومن تمام تحسرها وتحزنها :
أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادما ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك ، وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت . قوله ( وإني سميتها مريم ) عطف على ( إني وضعتها أنثى ) ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرب إلى الله سبحانه ، وأن يكون فعلها مطابقا لمعنى اسمها ، فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم ، فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات . قوله ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) عطف على قوله ( إني سميتها مريم ) ، والرجيم المطرود ، وأصله المرمى بالحجارة ، طلبت الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وأعوانه . قوله ( فتقبلها ربها بقبول حسن ) أي رضي بها في النذر ، وسلك بها مسلك السعداء . وقال قوم : معنى التقبل التكفل والتربية والقيام بشأنها ، والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق والباء زائدة ، والأصل تقبلا ، وكذلك قوله ( وأنبتها نباتا حسنا ) وأصله إنباتا فحذف الحرف الزائد ، وقيل هو مصدر لفعل محذوف : أي فنبتت نباتا حسنا . والمعنى أنه سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان ، قيل إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام ، وقيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها قوله ( وكفلها زكريا ) أي ضمها إليه . وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها . وقرأ الكوفيون ( وكفلها ) بالتشديد :
أي جعله الله كافلا لها وملتزما بمصالحها ، وفي معناه ما في مصحف أبي وأكفلها . وقرأ الباقون بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا ، ومعناه ما تقدم من كونه ضمها إليه وضمن القيام بها . وروى عمرو بن موسى عن عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المزني وكفلها بالكسر الفاء . قال الأخفش : لم أسمع كفل . وقرأ مجاهد " فتقبلها " بإسكان اللام على المسألة والطلب ، ونصب ربها على أنه منادى مضاف . وقرأ أيضا " وأنبتها " بإسكان التاء " وكفلها " بتشديد الفاء المكسورة وإسكان اللام ونصب " زكريا " مع المد . وقرأ حفص وحمزة والكسائي " زكريا " بغير مد ، ومده الباقون . وقال الفراء : أهل الحجاز يمدون زكريا ويقصرونه . قال الأخفش : فيه لغات المد والقصر ، وزكريا بتشديد الياء وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة والتعريف مع ألف التأنيث قوله ( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) قدم الظرف للاهتمام به ، وكلمة كل ظرف ، والزمان محذوف ، وما مصدرية أو نكرة موصوفة والعامل في ذلك قوله ( وجد ) أي كل زمان دخوله عليها وجد عندها رزقا : أي نوعا من أنواع الرزق . والمحراب في اللغة : أكرم موضع في المجلس قاله القرطبي ، وهو منصوب على التوسع ، قيل إن زكريا جعل لها محرابا :
لا يرتقي إليه إلا بسلم ، وكان يطلق عليها حتى كبرت ، وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، فقال ( يا مريم أنى لك هذا ) أي من أين يجئ لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا ( قالت هو من عند الله ) فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر ، وجملة قوله ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) تعليلية لما قبلها ، وهو من تمام كلامها ، ومن قال إنه من كلام زكريا فتكون الجملة مستأنفة .

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست