( فليملل وليه بالعدل ) الضمير عائد إلى الذي عليه الحق فيمل عن السفيه وليه المنصوب عنه بعد حجره عن التصرف في ماله ، ويمل عن الصبي وصيه أو وليه ، وكذلك يمل عن العاجز الذي لا يستطيع الإملال لضعف وليه لأنه في حكم الصبي أو المنصوب عنه من الإمام أو القاضي ، ويمل عن الذي لا يستطيع وكيله إذا كان صحيح العقل وعرضت له آفة في لسانه أو لم تعرض ، ولكنه جاهل لا يقدر على التعبير كما ينبغي . وقال الطبري : إن الضمير في قوله ( وليه ) يعود إلى الحق ، وهو ضعيف جدا . قال القرطبي في تفسيره : وتصرف السفيه المحجور عليه دون وليه فاسد إجماعا مفسوخ أبدا لا يوجب حكما ولا يؤثر شيئا ، فإن تصرف سفيه ولا حجر عليه ففيه خلاف انتهى .
قوله ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) الاستشهاد : طلب الشهادة ، وسماهما شهيدين قبل الشهادة من مجاز الأول أي باعتبار ما يئول إليه أمرهما من الشهادة ، و ( من رجالكم ) متعلق بقوله ( واستشهدوا ) أو بمحذوف هو صفة لشهيدين : أي كائنين من رجالكم : أي من المسلمين فيخرج الكفار ، ولا وجه لخروج العبيد من هذه الآية ، فهم إذا كانوا مسلمين من رجال المسلمين ، وبه قال شريح وعثمان البتي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور . وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء : لا تجوز شهادة العبد لما يلحقه من نقص الرق . وقال الشعبي والنخعي : يصح في الشئ اليسير دون الكثير . واستدل الجمهور على عدم جواز شهادة العبد بأن الخطاب في هذه الآية مع الذين يتعاملون بالمداينة والعبيد لا يملكون شيئا تجري فيه المعاملة . ويجاب عن هذا بأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وأيضا العبد تصح منه المداينة وسائر المعاملات إذا أذن له مالكه بذلك . وقد اختلف الناس هل الإشهاد واجب أو مندوب ، فقال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي الظاهري وابنه : إنه واجب ، ورجحه ابن جرير الطبري ، وذهب الشعبي والحسن ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه مندوب ، وهذا الخلاف بين هؤلاء هو في وجوب الإشهاد على البيع . واستدل الموجبون بقوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) ولا فرق بين هذا الأمر وبين قوله ( واستشهدوا ) فيلزم القائلين بوجوب الإشهاد في البيع أن يقولوا بوجوبه في المداينة . قوله ( فإن لم يكونا ) أي الشهيدان ( رجلين فرجل وامرأتان ) أي فليشهد رجل وامرأتان أو فرجل وامرأتان يكفون . وقوله ( لمن ترضون من الشهداء ) متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان : أي كائنون ممن ترضون حال كونهم من الشهداء . والمراد ممن ترضون دينهم وعدالتهم ، وفيه أن المرأتين في الشهادة برجل ، وأنها لا تجوز شهادة النساء إلا مع الرجل إلا وحدهن إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة . واختلفوا هل يجوز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدعي كما جاز الحكم برجل مع يمين المدعي ؟ فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز ذلك ، لأن الله سبحانه قد جعل المرأتين كالرجل في هذه الآية . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجوز ذلك ، وهذا يرجع إلى الخلاف في الحكم بشاهد مع يمين المدعي ، والحق أنه جائز لورود الدليل عليه ، وهو زيادة لم تخالف ما في الكتاب العزيز فيتعين قبولها . وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا ، ومعلوم عند كل من يفهم أنه ليس في هذه الآية ما يرد به قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشاهد واليمين ، ولم يدفعوا هذا إلا بقاعدة مبنية على شفا جرف هار هي قولهم : إن الزيادة على النص نسخ ، وهذه دعوى باطلة ، بل الزيادة على النص شريعة ثابتة جاءنا بها من جاءنا بالنص المتقدم عليها ، وأيضا كان يلزمهم أن لا يحكموا بنكول المطلوب ولا بيمين الرد على الطالب . وقد حكموا بهما ، والجواب الجوب . قوله ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) قال أبو عبيد : معنى تضل تنسى ، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء . وقرأ حمزة " إن تضل " بكسر الهمزة . وقوله ( فتذكر ) جوابه على