" أم " هنا منقطعة بمعنى بل . وحكى بعض اللغويين أنها قد تجئ بمثابة همزة الاستفهام يبتدأ بها الكلام ، فعلى هذا معنى الاستفهام هنا التقرير والإنكار : أي أحسبتم دخولكم الجنة واقعا ، ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم ، فتصبروا كما صبروا ، ذكر الله سبحانه هذه التسلية بعد أن ذكر اختلاف الأمم على أنبيائهم ، تثبيتا للمؤمنين وتقوية لقلوبهم ، ومثل هذه الآية قوله تعالى - أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم - وقوله تعالى - ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - . وقوله ( مستهم ) بيان لقوله ( مثل الذين خلوا ) . و ( البأساء والضراء ) قد تقدم تفسيرهما ، والزلزلة : شدة التحريك يكون في الأشخاص وفي الأحوال ، يقال : زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالا بالكسر ، فتزلزلت : إذا تحركت واضطربت ، فمعنى زلزلوا : خوفوا وأزعجوا إزعاجا شديدا . وقال الزجاج : أصل الزلزلة : نقل الشئ من مكانه ، فإذا قلت :
زلزلته فمعناه كررت زلله من مكانه . وقوله ( حتى يقول ) أي استمر ذلك إلى غاية هي قول الرسول ومن معه ( متى نصر الله ) والرسول هنا قيل هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل هو شعياء ، وقيل هو كل رسول بعث إلى أمته . وقرأ مجاهد والأعرج ونافع وابن محيصن بالرفع في قوله ( حتى يقول ) وقرأ غيرهم بالنصب فالرفع على أنه حكاية لحال ماضية ، والنصب بإضمار أن على أنه غاية لما قبله . وقرأ الأعمش ( وزلزلوا ويقول الرسول ) بالواو بدل حتى ، ومعنى ذلك أن الرسول ومن معه بلغ بهم الضجر إلى أن قالوا هذه المقالة المقتضية لطلب النصر واستبطاء حصوله واستطالة تأخيره ، فبشرهم الله سبحانه بقوله ( ألا إن نصر الله قريب ) . وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله ، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا إن نصر الله قريب ، ولا ملجئ لهذا التكلف ، لأن قول الرسول ومن معه ( متى نصر الله ) ليس فيه إلا استعجال النصر من الله سبحانه ، وليس فيه ما زعموه من الشك والارتياب حتى يحتاج إلى ذلك التأويل المتعسف .
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أن هذه الآية نزلت في يوم الأحزاب ، أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :
أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها ، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال ( مستهم البأساء والضراء ) فالبأساء : الفتن ، والضراء : السقم ، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( ولما يأتكم مثل الذين خلوا ) قال : أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم - ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا - ولعله يعني بقوله حتى قال قائلهم : يعني قائل المنافقين كما يفيد ذلك قوله تعالى - إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا - .