المأمور بالسؤال لبني إسرائيل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويجوز أن يكون هو كل فرد من السائلين ، وهو سؤال تقريع وتوبيخ . و ( كم ) في محل نصب بالفعل المذكور بعدها على أنها مفعول بآتي ، ويجوز أن ينتصب بفعل مقدر دل عليه المذكور : أي كم آتينا آتيناهم ، وقدر متأخرا لأن لها صدر الكلام ، وهي إما استفهامية للتقرير أو خبرية للتكثير . و ( من آية ) في موضع نصب على التمييز ، وهي البراهين التي جاء بها أنبياؤهم في أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم - وقيل المراد بذلك الآيات التي جاء بها موسى ، وهي التسع . والمراد بالنعمة هنا ما جاءهم من الآيات . وقال ابن جرير الطبري : النعمة هنا الإسلام ، والظاهر دخول كل نعمة أنعم الله بها على عبد من عباده كائنا من كان ، فوقع منه التبديل لها ، وعدم القيام بشكرها - ولا ينافي ذلك كون السياق في بني إسرائيل ، أو كونهم السبب في النزول لما تقرر من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وفي قوله ( فإن الله شديد العقاب ) من الترهيب والتخويف ما لا يقادر قدره . قوله ( زين ) مبني للمجهول ، والمزين : هو الشيطان أو الأنفس المجبولة على حب العاجلة . والمراد بالذين كفروا رؤساء قريش أو كل كافر . وقرأ مجاهد وحميد بن قيس " زين " على البناء للمعلوم . قال النحاس : وهي قراءة شاذة لأنه لم يتقدم للفاعل ذكر . وقرأ ابن أبي عبلة " زينت " وإنما خص الذين كفروا بالذكر مع كون الدنيا مزينة للمسلم والكافر كما وصف سبحانه بأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا ، لأن الكافر افتتن بهذا التزيين وأعرض عن الآخرة ، والمسلم لم يفتتن به ، بل أقبل على الآخرة . قوله ( ويسخرون من الذين آمنوا ) هذه الجملة في محل نصب على الحال : أي والحال أن أولئك الكفار يسخرون من الذين آمنوا لكونهم فقراء لاحظ لهم من الدنيا كحظ رؤساء الكفر وأساطين الضلال ، وذلك لأن عرض الدنيا عندهم هو الأمر الذي يكون من ناله سعيدا رابحا ، ومن حرمه شقيا خاسرا . وقد كان غالب المؤمنين إذ ذاك فقراء لاشتغالهم بالعبادة وأمر الآخرة ، وعدم التفاتهم إلى الدنيا وزينتها . وحكى الأخفش أنه يقال : سخرت منه وسخرت به ، وضحكت منه وضحكت به ، وهزأت منه وهزأت به ، والاسم السخرية والسخري . ولما وقع من الكفار ما وقع من السخرية بالمؤمنين رد الله عليهم بقوله ( والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ) والمراد بالفوقية هنا : العلو في الدرجة ، لأنهم في الجنة والكفار في النار - ويحتمل أن يراد بالفوق المكان ،