من المصيصة [1] عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، قال : يؤتى أحدهم بالصفة فيأكل منها ، ثم يؤتي بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل ، فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف .
وهذا التأويل مذهب من تأول الآية . غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة . والذي يدل على صته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين إن معنى ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ) فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا أن يقولوا : هذا الذي رزقنا من قبل .
ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض . فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها ، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها ، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة . فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله ، كما هو من قيلهم في وسطه وما يتلوه ، فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة : ( هذا الذي رزقنا من قبل ) هذا من ثمار الجنة . وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره : هذا هو الذي رزقناه من قبل ، إلا أن ينسبهم ذو غرة وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه ، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها ، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله : ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ) من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوال دون حال . فقد تبين بما بينا أن معنى الآية :
كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقا ، قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا .
فإن سألنا سائل فقال : وكيف قال القوم : ( هذا الذي رزقنا من قبل ) والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه ؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له ؟ قيل : إن الامر على غير ما ذهبت إليه في ذلك ، وإنما معناه : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا من الثمار والرزق ، كالرجل يقول لاخر : قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان