إليه ، وبينها ، ورغبه فيها ، وأخبره بما له عند الوصول إليه . ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك ، ورهبه عنها ، وأخبره بما له ، إذا سلكها ، وابتلاه بذلك ، فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه ، قائم بما حمله الله من حقوقه . وإلى كفور للنعم ، أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية ، فردها ، وكفر بربه ، وسلك الطريق الموصلة إلى الهلاك . * ( إنآ اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا * إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا * ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قواريرا من فضة قدروها تقديرا * ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا * عينا فيها تسمى سلسبيلا * ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا * وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا * عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن ه ذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا * إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا * واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا * إن ه ؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورآءهم يوما ثقيلا * نحن خلقناهم وشددنآ أسرهم وإذا شئنا بدلنآ أمثالهم تبديلا * إن ه ذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشآءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما * يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) * أي : إنا هيأنا ، وأرصدنا لمن كفر بالله ، وكذب رسله ، وتجرأ على معاصيه . * ( سلاسل ) * في نار جهنم ، كما قال تعالى : * ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) * . * ( وأغلالا ) * تغل بها أيديهم إلى أعناقهم ، ويوثقون بها . * ( وسعيرا ) * ، أي : نارا تستعر بها أجسامهم ، وتحرق بها أبدانهم ، * ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) * . وهذا العذاب الدائم ، مؤبد لهم ، مخلدون فيه سرمدا . وأما * ( الأبرار ) * وهم : الذين برت قلوبهم ، بما فيها من معرفة الله ومحبته ، والأخلاق الجميلة ، فبرت أعمالهم ، واستعملوها بأعمال البر . فأخبر أنهم * ( يشربون من كأس ) * ، أي : شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور ، أي : خلط به ، ليبرده ، ويكسر حدته ، وهذا الكافور في غاية اللذة ، قد سلم من كل مكدر ومنغص موجود في كافور الدنيا ، فإن الآفة الموجودة في الدنيا ، تعدم من الأسماء التي ذكرها الله في الجنة . كما قال تعالى : * ( في سدر مخضود وطلح منضود ) * ، * ( وأزواج مطهرة ) * ، * ( لهم دار السلام عند ربهم ) * ، * ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) * . * ( عينا يشرب بها عباد الله ) * ، أي : ذلك الكأس اللذيذ ، الذي يشربونه ، لا يخافون نفاده ، بل له مادة لا تنقطع ، وهي عين دائمة الفيضان والجريان ، يفجرها عباد الله تفجيرا ، أنى شاءوا ، وكيف أرادوا . فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات ، أو إلى الرياض النضرات ، أو بين جوانب القصور ، والمساكن المزخرفات ، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات . ثم ذكر جملة من أعمالهم ، فقال : * ( يوفون بالنذر ) * ، أي : بما ألزموا به أنفسهم من النذور والمعاهدات . وإذا كانوا يوفون بالنذر ، الذي هو غير واجب في الأصل عليهم ، إلا بإيجابهم على أنفسهم ، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية ، من باب أولى وأحرى . * ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) * ، أي : قاسيا منتشرا . فخافوا أن ينالهم شره ، فتركوا كل سبب موجب لذلك . * ( 8 ) * ( ويطعمون لطعام على حبه ) * أي : وهم في حال يحبون فيها المال والطعام ، ولكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم ، ويتحرون في إطعامهم ، أولى الناس وأحوجهم * ( مسكينا ويتيما وأسيرا ) * . ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم ، وجه الله تعالى ، ويقولون بلسان الحال : * ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) * ، أي : لا جزاء ماليا ، ولا ثناء قوليا . * ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا ) * ، أي : شديد الجهمة والشر * ( قمطريرا ) * ، أي : ضنكا ضيقا . * ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) * فلا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة ، هذا يومكم الذي كنتم توعدون . * ( ولقاهم ) * ، أي : أكرمهم وأعطاهم * ( نضرة ) * ( في وجوههم ) * ( وسرورا ) * في قلوبهم ، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن . * ( وجزاهم بما صبروا ) * على طاعته ، فعملوا ما أمكنهم منها ، وعن معاصيه ، فتركوها ، وعلى أقداره المؤلمة ، فلم يتسخطوها . * ( جنة ) * جامعة لكل نعيم ، سالمة من كل مكدر ومنغص . * ( وحريرا ) * كما قال تعالى : * ( ولباسهم فيها حرير ) * . ولعل الله إنما خص الحرير ، لأنه لباسهم الظاهر ، الدال على حال صاحبه . * ( متكئين فيها على الأرائك ) * الاتكاء : التمكن من الجلوس ، في حال الطمأنينة ، والراحة ، والرفاهية ، والأرائك هي : السرر التي عليها اللباس المزين . * ( لا يرون فيها ) * ، أي : في الجنة * ( شمسا ) * يضرهم حرها ، * ( ولا زمهريرا ) * ، أي : بردا شديدا ، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل ، لا حر ولا برد ، بحيث تلتذ به الأجساد ، ولا تتألم من حر ولا برد . * ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) * ، أي : قربت ثمراتها من مريدها ، تقريبا ينالها وهو قائم ، أو قاعد ، أو مضطجع . * ( ويطاف عليهم ) * ، أي : يدور الولدان والخدم على أهل الجنة * ( بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا * قوارير من فضة ) * ، أي : مادتها فضة ،