وهي على صفاء القوارير ، وهذا من أعجب الأشياء ، أن تكون الفضة الكثيفة ، من ضفاء جوهرها ، وطيب معدنها ، على صفاء القوارير . * ( قدروها تقديرا ) * ، أي : قدروا الأواني المذكورة على قدر ريهم ، لا تزيد ولا تنقص ، لأنها لو زادت نقصت لذتها ، ولو نقصت لم تكفهم لريهم . ويحتمل أن المراد : قدرها أهل الجنة بمقدار ، يوافق لذاتهم ، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم . * ( ويسقون فيها ) * ، أي : الجنة * ( كأسا ) * وهو الإناء من خمر ورحيق ، * ( كان مزاجها ) * ، أي : خلطها * ( زنجبيلا ) * ليطيب طعمه وريحه . * ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) * سميت بذلك لسلاستها ولذتها وحسنها . * ( ويطوف عليهم ) * ، أي : على أهل الجنة ، في طعامهم وشرابهم وخدمتهم . * ( ولدان مخلدون ) * ، أي : خلقوا من الجنة للبقاء ، لا يتغيرون ولا يكبرون ، وهم في غاية الحسن . * ( إذا رأيتهم ) * منتشرين في خدمتهم * ( حسبتهم ) * من حسنهم * ( لؤلؤا منثورا ) * ، وهذا من تمام لذة أهل الجنة ، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون ، الذين تسر رؤيتهم ، ويدخلون في مساكنهم ، آمنين من تبعتهم ، ويأتونهم بما يدعون ، وتطلبه نفوسهم . * ( وإذا رأيت ثم ) * ، أي : رمقت ما أهل الجنة عليه من النعيم الكامل . * ( رأيت نعيما وملكا كبيرا ) * فتجد الواحد منهم ، عنده من المساكن والغرف المزينة المزخرفة ، ما لا يدركه الوصف . ولديه من البساتين الزاهرة ، والثمار الدانية ، والفواكه اللذيذة ، والأنهار الجارية ، والرياض المعجبة ، والطيور المطربة المشجية ، ما يأخذ بالقلوب ، ويفرح النفوس . وعنده من الزوجات ، اللاتي في غاية الحسن والإحسان ، الجامعات لجمال الظاهر والباطن ، الخيرات الحسان ، ما يملأ القلب سرورا ، ولذة وحبورا . وحوله من الولدان المخلدين ، والخدم المؤبدين ، ما به تحصل الراحة والطمأنينة ، وتتم لذة العيش ، وتكمل الغبطة . ثم علاوة ذلك ومعظمه ، الفوز برضا الرب الرحيم ، وسماع خطابه ، ولذة قربه ، والابتهاج برضاه ، والخلود الدائم ، وتزايد ما هم فيه من النعيم ، كل وقت وحين . فسبحان مالك الملك ، الحق المبين ، الذي لا تنفد خزائنه ، ولا يقل خيره ، فكما لا نهاية لأوصافه ، فلا نهاية لبره وإحسانه . * ( عاليهم ثياب سندس خضر ) * ، أي : قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران اللذان هما أجل أنواع الحرير ، فالسندس : ما غلظ من الحرير ، والإستبرق : ما رق منه . * ( وحلوا أساور من فضة ) * ، أي : حلوا في أيديهم أساور ، ذكورهم وإناثهم ، وهذا وعد وعدهم الله ، وكان وعده مفعولا ، لأنه لا أصدق منه قيلا ولا حديثا . وقوله : * ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) * ، أي : لا كدر فيه بوجه من الوجوه ، مطهرا لما في بطونهم من كل أذى وقذى . * ( إن هذا ) * الجزاء الجزيل * ( كان لكم جزاء ) * على ما أسلفتموه ، من الأعمال . * ( وكان سعيكم مشكورا ) * أي : القليل منه ، يجعل الله لكم به ، من النعيم ، ما لا يمكن حصره . وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة * ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) * ، وفيه الوعد والوعيد ، وبيان كل ما يحتاجه العباد . وفيه الأمر بالقيام بأوامره وشرائعه أتم القيام ، والسعي في تنفيذها ، والصبر على ذلك . ولهذا قال : * ( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) * ، أي : اصبر لحكمه القدري ، فلا تسخطه ، ولحكمه الديني ، فامض عليه ، ولا يعوقنك عنه عائق . * ( ولا تطع ) * من المعاندين ، الذين يريدون أن يصدوك * ( إثما ) * ، أي : فاعلا إثما ومعصية * ( أو كفورا ) * ، فإن طاعة الكفار والفجار والفساق ، لا بد أن تكون معصية لله ، فإنهم لا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم . ولما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله ، والإكثار من ذكره ، أمر الله بذلك ، فقال : * ( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ) * ، أي : أول النهار وآخره ، فدخل في ذلك الصلوات