* ( سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ) * وذلك لأنهم قوم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ، مؤثرون للكفر على الإيمان ، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول ، لو استغفر لهم كما قال تعالى : * ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) * ، * ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) * . * ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزآئن السماوات والأرض ول كن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنآ إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ول كن المنافقين لا يعلمون ) * وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، لما رأوا اجتماع أصحابه ، وائتلافهم ، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قالوا بزعمهم الفاسد : * ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) * فإنهم على زعمهم لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم ، لما اجتمعوا في نصرة دين الله . وهذا من أعجب العجب ، أن يدعي هؤلاء المنافقون ، الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين ، وأذية المسلمين ، مثل هذه الدعوى ، التي لا تروج إلا على من لا علم له بالحقائق . ولهذا قال تعالى ، ردا لقولهم : * ( ولله خزائن السماوات والأرض ) * ، فيؤتي الرزق من يشاء ، ويمنعه من يشاء ، وييسر الأسباب لمن يشاء ، ويعسرها على من يشاء . * ( ولكن المنافقين لا يفقهون ) * فلذلك قالوا تلك المقالة ، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم ، وتحت مشيئتهم . * ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) * وذلك في غزوة المريسيع ، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار بعض كلام ، كدر الخواطر ، ظهر حينئذ نفاق المنافقين ، وتبين ما في قلوبهم . وقال كبيرهم ، عبد الله بن أبي ابن سلول : ما مثلنا ، ومثل هؤلاء يعني المهاجرين إلا كما قال القائل : ( سمن كلبك يأكلك ) . وقال : لئن رجعنا إلى المدينة * ( ليخرجن الأعز منها الأذل ) * بزعمه أنه هو وإخوانه المنافقين ، الأعزون ، وأن رسول الله ، ومن اتبعه هم الأذلون ، والأمر بعكس ما قال هذا المنافق . فلهذا قال تعالى : * ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) * فهم الأعزاء ، والمنافقون وإخوانهم من الكفار ، هم الأذلاء . * ( ولكن المنافقين لا يعلمون ) * ذلك ، فلذلك زعموا أنهم الأعزاء ، اغترارا بما هم عليه من الباطل . ثم قال تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا ) * إلى : * ( بما تعملون ) * . * ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأول ئك هم الخاسرون * وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلهآ والله خبير بما تعملون ) * يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره ، فإن في ذلك ، الربح والفلاح ، والخيرات الكثيرة ، وينهاهم أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن ذكره ، فإن محبة المال والأولاد مجبولة عليها أكثر النفوس ، فتقدمها على محبة الله ، وفي ذلك الخسارة العظيمة ، ولهذا قال تعالى : * ( ومن يفعل ذلك ) * ، أي : يلهه ماله وولده ، عن ذكر الله * ( فأولئك هم الخاسرون ) * للسعادة الأبدية ، والنعيم المقيم ، لأنهم آثروا ما يفنى على ما يبقى . قال تعالى : * ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) * . وقوله : * ( وأنفقوا مما رزقناكم ) * يدخل في هذا ، النفقات الواجبة ، من الزكاة والكفارات ، ونفقة الزوجات ، والمماليك ، ونحو ذلك ، والنفقات المستحبة كبذل المال في جميع المصالح . وقال : * ( مما رزقناكم ) * ليدل ذلك على أنه تعالى ، لم يكلف العباد من النفقة ما يعنتهم ويشق عليهم ، بل أمرهم بإخراج جزء مما رزقهم ، ويسره ، ويسر أسبابه . فليشكروا الذي أعطاهم ، بمواساة إخوانهم المحتاجين ، وليبادروا بذلك الموت الذي إذا جاء ، لم يمكن العبد أن يأتي بمثقال ذرة من الخير ، ولهذا قال : * ( من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ) * متحسرا على ما فرط في وقت الإمكان ، سائلا الرجعة التي هي محال : * ( رب لولا أخرتني إلى أجل قريب ) * ، أي : لأتدارك ما فرطت فيه . * ( فأصدق ) * من مالي ، ما به أنجو من العذاب ، وأستحق جزيل الثواب . * ( وأكن من الصالحين ) * بأداء المأمورات كلها ، واجتناب المنهيات ، ويدخل في هذا ، الحج وغيره . وهذا السؤال والتمني ، قد فات وقته ، ولا يمكن تداركه ، ولهذا قال : * ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) * المحتوم لها * ( والله