خبير بما تعملون ) * من خير وشر ، فيجازيكم على ما علمه ، من النيات والأعمال . سورة التغابن * ( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير * هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير * خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير * يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ) * هذه الآيات الكريمات ، مشتملات على جملة كثيرة واسعة ، من أوصاف الباري العظيمة ، فذكر كمال ألوهيته سبحانه ، وسعة غناه ، وافتقار جميع الخلائق إليه ، وتسبيح من في السماوات والأرض بحمد ربها ، وأن الملك كله لله ، فلا يخرج عن ملكه مخلوق . والحمد كله له ، حمد على ما له من صفات الكمال ، وحمد على ما أوجده من الأشياء ، وحمد على ما شرعه من الأحكام ، وأسداه من النعم . وقدرته شاملة ، لا يخرج عنها موجود ، فلا يعجزه شيء يريده . وذكر أنه خلق العباد ، وجعل منهم المؤمن والكافر ، فإيمانهم وكفرهم كله ، بقضاء الله وقدره ، وهو الذي شاء ذلك منهم ، بأن جعل لهم قدرة وإرادة ، بها يتمكنون من كل ما يريدون ، من الأمر والنهي ، * ( والله بما تعملون بصير ) * . فلما ذكر خلق الإنسان المأمور المنهي ، ذكر خلق باقي المخلوقات ، فقال : * ( خلق السماوات والأرض ) * ، أي : أجرامهما ، وجميع ما فيهما ، فأحسن خلقهما . * ( بالحق ) * ، أي : بالحكمة ، والغاية المقصودة له تعالى . * ( وصوركم فأحسن صوركم ) * كما قال تعالى : * ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) * . فالإنسان ، أحسن المخلوقات صورة ، وأبهاها منظرا . * ( وإليه المصير ) * ، أي : المرجع يوم القيامة ، فيجازيكم على إيمانكم وكفركم ، ويسألكم عن النعم والنعيم الذي أولاكمد هل قمتم بشكره أم لم تقوموا به ؟ ثم ذكر عموم علمه ، فقال : * ( يعلم ما في السماوات والأرض ) * ، أي : في السرائر والظواهر ، والغيب والشهادة . * ( ويعلم ما تسرون وما تعلنون * والله علم بذات الصدور ) * ، أي : بما فيها من الأسرار الطيبة ، والخبايا الخبيثة ، والنيات الصالحة ، والمقاصد الفاسدة . فإذا كان عليما بذات الصدور ، تعين على العاقل البصير ، أن يحرص ويجتهد في حفظ باطنه ، من الأخلاق الرذيلة ، واتصافه بالأخلاق الجميلة . * ( ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم * ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ) * لما ذكر تعالى من أوصافه الكاملة العظيمة ، ما به يعرف ويعبد ، ويبذل الجهد في مرضاته ، وتجتنب مساخطه ، أخبر بما فعل بالأمم السابقين ، والقرون الماضين ، الذين لم تزل أنباؤهم ، يتحدث بها المتأخرون ، ويخبر بها الصادقون ، وأنهم حين جاءتهم رسلهم بالحق ، كذبوهم وعاندوهم . * ( فذاقوا وبال أمرهم ) * في الدنيا ، وأخزاهم الله فيها * ( ولهم عذاب أليم ) * في الدار الآخرة ، ولهذا ذكر السبب في هذه العقوبة ، فقال : * ( ذلك ) * النكال والوبال ، الذي أحللناه بهم * ( بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ) * ، أي : بالآيات الواضحات ، الدالة على الحق والباطل ، فاشمأزوا ، واستكبروا على رسلهم ، فقالوا : * ( أبشر يهدوننا ) * ، أي : ليس لهم فضل علينا ، ولأي شيء خصهم الله دوننا . كما قال في الآية الأخرى : * ( قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) * فهم حجروا فضل الله ومنته على أنبيائه أن يكونوا رسلا للخلق ، واستكبروا عن الانقياد لهم . فابتلوا بعبادة الأشجار ، والأحجار ونحوها * ( فكفروا ) * ( بالله ) * ( وتولوا ) * عن طاعته . * ( واستغنى الله ) * عنهم ، فلا يبالي بهم ، ولا يضره ضلالهم شيئا . * ( والله غني حميد ) * ، أي : هو الغني ، الذي له الغنى التام المطلق ، من جميع الوجوه . الحميد ، في أقواله وأفعاله وأوصافه . * ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) * يخبر تعالى عن عناد الكافرين ، وزعمهم الباطل ، وتكذيبهم بالبعث بغير علم ، ولا هدى ولا كتاب منير . فأمر أشرف خلقه ، أن يقسم بربه على بعثهم ، وجزائهم بأعمالهم الخبيثة ، وتكذيبهم بالحق . * ( وذلك على الله يسير ) * فإنه ، وإن كان عسيرا بل متعذرا ، بالنسبة إلى الخلق ، فإن قواهم كلهم ، لو اجتمعت على إحياء ميت واحد ، ما قدروا على ذلك . وأما الله تعالى ، فإنه إذا أراد شيئا ، قال له كن فيكون . قال تعالى : * ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ثم نفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ) * . * ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ) * لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأن ذلك منهم موجب كفرهم بالله وآياته ، أمر بما يعصم من الهلكة