والكبرياء فيها عظمته وجلاله ، والعبادة مبنية على ركنين ، محبة الله ، والذل له ، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه . * ( وهو العزيز ) * القاهر لكل شيء ، * ( الحكيم ) * الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة ومصلحة ، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة . سورة الأحقاف * ( ح م * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهمآ إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عمآ أنذروا معرضون ) * هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له ، وفي ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره ، والإقبال على تدبر آياته ، واستخراج كنوزه . ولما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي ، ذكر خلقه السماوات والأرض ، فجمع بين الخلق والأمر * ( ألا له الخلق والأمر ) * ، كما قال تعالى : * ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ) * . وكما قال تعالى : * ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون خلق السماوات والأرض بالحق ) * . فالله تعالى ، هو الذي خلق المكلفين ، وخلق مساكنهم ، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض ، ثم أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وأمرهم ونهاهم ، وأخبرهم أن هذه الدار دار أعمال وممر للعمال ، لا دار إقامة ، لا يرحل عنها أهلها . وهم سينتقلون منها إلى دار الإقامة والقرار ، وموطن الخلود والدوام ، وإنما أعمالهم التي عملوها في هذه الدار ، سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملا موفورا . وأقام تعالى الأدلة على تلك الدار وأذاق العباد نموذجا من الثواب والعقاب العاجل ، ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب ، والهرب من المرهوب ، ولهذا قال هنا : * ( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) * ، أي : لا عبثا ، ولا سدى ، بل ليعرف العباد عظمة خالقها ، ويستدلوا على كماله ، ويعلموا أن الذي خلقهما ، قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء ، وأن خالقهما وبقاءهما ، مقدر إلى ساعة معينة * ( وأجل مسمى ) * . فلما أخبر بذلك وهو أصدق القائلين وأقام الدليل ، وأنار السبيل ، أخبر مع ذلك أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضا عن الحق ، وصدوفا عن دعوة الرسل ، فقال : * ( والذين كفروا عما أنذروا معرضون ) * . وأما الذين آمنوا ، فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم ، وتلقوها بالقبول والتسليم ، وقابلوها بالانقياد والتعظيم ، ففازوا بكل خير ، واندفع عنهم كل شر . * ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل ه ذآ أو أثارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعآئهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعدآء وكانوا بعبادتهم كافرين ) * أي : * ( قل ) * لهؤلاء الذين أشركوا بالله ، أوثانا وأندادا ، لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا . قل لهم مبينا عجز أوثانهم ، وأنها لا تستحق شيئا من العبادة : * ( أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ) * . هل خلقوا من أجرام السماوات شيئا ؟ هل خلقوا جبالا ؟ هل أجروا أنهارا ؟ هل نشروا حيوانا ؟ هل أنبتوا أشجارا ؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك ؟ لا شيء من ذلك ، بإقرارهم على أنفسهم ، فضلا عن غيرهم ، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله ، فعبادته باطلة . ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي ، فقال : * ( ائتوني بكتاب من قبل هذا ) * الكتاب يدعو إلى الشرك ، * ( أو أثارة من علم ) * موروث عن الرسل يأمر بذلك . من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك ، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم ، ونهوا عن الشرك به . وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم ، قال تعالى : * ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) * . وكل رسول قال لقومه : * ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) * . فعلم أن جدال المشركين في شركهم ، غير مستندين إلى برهان ولا دليل ، وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة ، وآراء كاسدة ، وعقول فاسدة . يدلك على فسادها استقراء أحوالهم ، وتتبع علومهم وأعمالهم ، والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته ، هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة ؟ ولهذا قال تعالى : * ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة ) * ، أي : مدة مقامه في الدنيا ، لا ينتفع به مثقال ذرة ، * ( وهم عن دعائهم غافلون ) * . لا يسمعون منهم دعاء ، ولا يجيبون لهم نداء ، هذا حالهم في الدنيا . ويوم القيامة يكفرون بشرككم . * ( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء ) * يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض * ( وكانوا بعبادتهم كافرين ) * . * ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم ه ذا سحر مبين * أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم * قل ما كنت بدعا من الرسل ومآ أدري ما