الاختلاف ، وإنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض ، والظلم . * ( وإن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) * فيميز المحق من المبطل ، والذي حمله على الاختلاف ، الهوى وغيره . * ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ) * أي : ثم شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير ، وتنهى عن كل شر ، من أمرنا الشرعي * ( فاتبعها ) * ، فإن في اتباعها السعادة الأبدية ، والصلاة والفلاح . * ( ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) * ، أي : الذين تكون أهويتهم ، غير تابعة للعلم ، ولا ماشية خلفه ، وهم كل من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم هواه وإرادته ، فإنه من أهواء الذين لا يعلمون . * ( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) * ، أي : لا ينفعونك عند الله ، فيحصلوا لك الخير ، ويدفعوا عنك الشر ، إن اتبعتهم على أهواءهم ، ولا يصلح أن توافقهم وتواليهم ، فإنك وإياهم متباينون . * ( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ) * يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته . * ( ه ذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ) * أي * ( هذا ) * القرآن الكريم والذكر الحكيم * ( بصائر للناس ) * ، أي : تحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس ، فيحصل به الانتفاع للمؤمنين . * ( وهدى ورحمة لقوم يوقنون ) * فيهتدون به إلى الصراط المستقيم ، في أصول الدين وفروعه ، ويحصل به الخير والسرور ، والسعادة في الدنيا والآخرة ، وهي الرحمة ، فتزكو به نفوسهم ، وتزداد به عقولهم ، ويزيد به إيمانهم ويقينهم ، وتقوم به الحجة على من أصر وعاند . * ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) * أي : أم حسب المسيؤون ، المكثرون من الذنوب ، المقصرون في حقوق ربهم . * ( أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) * بأن قاموا بحقوق ربهم ، واجتنبوا مساخطه ، ولم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم ؟ أي : أحسبوا أن يكونوا * ( سواء ) * في الدنيا والآخرة ؟ ساء ما ظنوا وحسبوا ، وساء ما حكموا به فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين ، وخير العادلين ، ويناقض العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، ويضاد ما نزلت به الكتب ، وأخبرت به الرسل . بل الحكم الواقع القطعي ، أن المؤمنين العاملين الصالحات ، لهم النصر والفلاح والسعادة والثواب ، في العاجل والآجل ، كل على قدر إحسانه ، وأن المسيئين لهم الغضب والإهانة ، والعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة . * ( وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) * أي : خلق الله السماوات والأرض بالحكمة ، وليعبد وحده لا شريك له . ثم يحاسب بعد ذلك من أمرهم بعبادته ، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة هل شكروا الله تعالى ، وقاموا بالمأمور ؟ أم كفروا ، فاستحقوا جزاء الكفور ؟ * ( أفرأيت من اتخذ إل هه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنآ إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون * وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبآئنآ إن كنتم صادقين * قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ول كن أكثر الناس لا يعلمون ) * * ( يقول تعالى : * ( أفرأيت ) * الرجل الضال الذي * ( اتخذ إلهه هواه ) * فما هواه سلكه ، سواء كان يرضي الله ، أم يسخطه . * ( وأضله الله على علم ) * من الله ، أنه لا تليق به الهداية ، ولا يزكو عليها . * ( وختم على سمعه ) * فلا يسمع ما ينفعه * ( وقلبه ) * فلا يعي الخير * ( وجعل على بصره غشاوة ) * تمنعه من نظر الحق * ( فمن يهديه من بعد الله ) * ، أي : لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية ، وفتح له أبواب الغواية . وما ظلمه الله ، ولكن هو الذي ظلم نفسه ، وتسبب لمنع رحمة الله عليه * ( أفلا تذكرون ) * ما ينفعكم فتسلكوه ، وما يضركم فتجتنبوه . * ( وقالوا ) * ، أي : منكرو البعث * ( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) * إن هي إلا عادات ، وجري على رسوم الليل والنهار ، يموت أناس ، ويحيا أناس ، ومن مات فليس براجع إلى الله ، ولا مجازى بعمله . وقولهم هذا صادر عن غير علم * ( إن هم إلا يظنون ) * فأنكروا المعاد وكذبوا الرسل الصادقين ، من غير دليل دلهم ، ولا برهان . إن هي إلا ظنون ، واستبعادات خالية عن الحقيقة ، ولهذا قال تعالى : * ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ) * ، وهذا جراءة منهم على الله ،