الذي يكون في ليلة القدر ، أحدى الكتابات التي تكتب وتميز ، فتطابق الكتاب الأول ، الذي كتب الله به مقادير الخلائق ، وآجالهم ، وأرزاقهم ، وأعمالهم ، وأموالهم . ثم إن الله تعالى ، قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد ، وهو في بطن أمه ، ثم وكلهم بعد خروجه إلى الدنيا ، وكل به كراما كاتبين ، يكتبون ويحفظون عليه أعماله ، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ، ما يكون في السنة . وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته ، وإتقان حفظه ، واعتنائه تعالى بخلقه * ( أمرا من عندنا ) * ، أي : هذا الأمر الحكيم ، أمر صادر من عندنا . * ( إنا كنا مرسلين ) * للرسل ومنزلين للكتب ، والرسل تبلغ أوامر المرسل وتخبر بأقداره ، * ( رحمة من ربك ) * ، أي : إن إرسال الرسل وإنزال الكتب ، التي أفضلها القرآن ، رحمة من رب العباد بالعباد ، فما رحم الله عباده برحمة ، أجل من هدايتهم بالكتب والرسل . وكل خير ينالونه في الدنيا والآخرة ، فإنه من أجل ذلك وسببه . * ( إنه هو السميع العليم ) * ، أي : يسمع جميع الأصوات ، ويعلم جميع الأمور الظاهرة والباطنة ، وقد علم تعالى ، ضرورة العباد إلى رسله وكتبه ، فرحمهم بذلك ، ومن عليهم ، فلله تعالى الحمد والمنة ، والإحسان . * ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) * ، أي : خالق ذلك ومدبره ، والمتصرف فيه بما شاء . * ( إن كنتم موقنين ) * ، أي : عالمين بذلك علما مفيدا لليقين ، فاعلموا أن الرب للمخلوقات ، هو إلهها الحق ، ولهذا قال : * ( لا إله لا هو ) * ، أي : لا معبود إلا وجهه ، * ( يحيي ويميت ) * ، أي : هو المتصرف وحده بالإحياء والإماتة ، وسيجمعكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . * ( ربكم ورب آبائكم الأولين ) * ، أي : رب الأولين والآخرين ، مربيهم بالنعم ، الدافع عنهم النقم . فلما قرر تعالى ربوبيته وألوهيته ، بما يوجب العلم التام ، ويدفع الشك ، أخبر أن الكافرين مع هذا البيان * ( في شك يلعبون ) * ، أي : منغمرون في الشكوك والشبهات ، غافلون عما خلقوا له ، قد اشتغلوا باللعب الباطل ، الذي لا يجدي عليهم إلا الضرر . * ( فارتقب ) * ، أي : انتظر فيهم العذاب ، فإنه قد قرب وآن أوانه ، * ( يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس ) * ، أي : يعمهم ذلك الدخان ، ويقال لهم : * ( هذا عذاب أليم ) * . واختلف المفسرون في المراد بهذا الدخان ، فقيل : إنه الدخان الذي يغشى الناس ويعمهم ، حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة وأمر نبيه أن ينتظر بهم ذلك اليوم . ويؤيد هذا المعنى ، أن هذه الطريقة هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم ، وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه ، وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار ، بمن آذاهم . ويؤيده أيضا ، أنه قال في هذه الآية : * ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ) * وهذا يقال يوم القيامة للكفار ، حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا ، فيقال : قد ذهب وقت الرجوع . وقيل : إن المراد بذلك ، ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان ، واستكبروا على الحق ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف ) ، فأرسل الله عليهم الجوع العظيم ، حتى أكلوا الميتات والعظام ، وصاروا يرون الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان وليس به ، وذلك من شدة الجوع . فيكون على هذا قوله : * ( يوم تأتي السماء بدخان ) * أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم ، وما يشاهدون ، وليس بدخان حقيقة . ولم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يدعو الله لهم ، أن يكشفه الله عنهم ، فكشفه الله عنهم ، وعلى هذا فيكون قوله : * ( إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون ) * إخبار بأن الله سيصرفه عنهم ، وتوعد لهم أن يعودوا إلى الاستكبار والتكذيب ، وإخبار بوقوعه فوقع ، وأن الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى ، قالوا : وهي وقعة ( بدر ) وفي هذا القول نظر ظاهر . وقيل : إن المراد بذلك ، أن ذلك من أشراط الساعة ، وأنه يكون في آخر الزمان ، دخان يأخذ بأنفاس الناس ، ويصيب المؤمنين معه كهيئة الدخان . والقول هو الأول . وفي الآية احتمال أن المراد بقوله : * ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ) * أن هذا كله يوم القيامة . وأن قوله تعالى : * ( إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى