فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلُّ مائةً إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ، ومحطّ رحالها ، ومَن يُقتَل من أهلها قَتلا ، ومَن يموت منهم مَوتاً . ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأُمور ، وحوازب الخطوب ، لأطرق كثيرٌ من السائلين ، وفشل كثيرٌ من المسؤولين ( 1 ) ، وذلك إذا قلصت حربكم وشمّرت عن ساق ، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً ، تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم ، حتّى يفتح الله لبقيّة الأبرار منكم " ( 2 ) .
1 - وقد صدق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله هذا ; فقد تصدّى لهذه المقالة غيره وفُضح بين الناس . . قال إبراهيم : قعد مقاتل بن سليمان فقال : سلوني عمّا دون العرش إلى لويانا ؟ فقال له رجل : آدم حين حجّ مَن حلق رأسه ؟ قال : فقال له : ليس هذا من عملكم ، ولكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي . وقال سفيان بن عينية : قال مقاتل بن سليمان يوماً : سلوني عمّا دون العرش ؟ فقال له إنسان : يا أبا الحسن ! أرأيت الذرّة أو النملة أمعاؤها في مقدّمها أو مؤخّرها ؟ قال : فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له . قال سفيان : فظننت إنّها عقوبة له . راجع : تاريخ بغداد - للخطيب البغدادي - 13 / 167 ; وانظر : بقيّة مَن قال مقولة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : سلوني ، وفُضح في الغدير 6 / 195 . أقول : أمّا الأئمّة المعصومين الأحد عشر من ذرّيّته ( عليهم السلام ) الّذين رزقوا فهم وعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فتاريخهم أشهر من أن يُذكر أو يُخبر عنه في ما لاقوه من الضغوط والتضييق من الحكّام زمن الدولتين الأموية والعبّاسية ، حتّى مضوا إلى ربّهم كلّهم شهداء مظلومين بين مسموم وقتيل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - عدا الإمام المهدي ( عليه السلام ) الغائب بأمر الله ، والمرتَقب لإقامة العدل في الأرض كلّها " عجّل الله تعالى ظهوره الشريف " . 2 - فقأتها : قلعتها ; تمثيل لتغلّبه عليها ، وذلك كان بعد انقضاء أمر النهروان وتغلّبه على الخوارج . الغيهب : الظلمة . وموجها : شمولها وامتدادها . الكلَب : داء معروف يصيب الكلاب ، فكلّ من عضّته أُصيب به فجنّ ومات إن لم يبادر بالدواء ; وشبّه به اشتداد الفتنة حتّى لا تصيب أحداً إلاّ أهلكته . ناعقها : الداعي إليها . المناخ : محلّ البروك . الحوازب : جمع حازب ، وهو : الأمر الشديد ; حزبه الأمر إذا أصابه واشتدّ عليه . قلصت - بتشديد اللام - : تمادت واستمرّت ، وبتخفيفها : وثبت . نهج البلاغة - تعليق الشيخ محمّد عبده - 1 / 183 .