الكريمة : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى } هو : طلب العلم بمجهول ; فينسب بذلك الجهل لله سبحانه ؟ ! تعالى الله عن ذلك . فللإستفهام أغراض متعدّدة يطلبها المتكلّم في كلامه ، ويبقى تعيين الغرض يستند إلى القرينة ودلائل المقام . والاستفهام في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) المذكور يرد مورد تنبيه وتعليم الإمام ( عليه السلام ) الحذر لأصحابه ، بأن لا يتكلّم أحدهم كلاماً ككلامه ( عليه السلام ) في مثل هذه الأُمور وهناك مَن يتجسّس عليه ممّن لا يأمن شرّه وفتنته من أهل الخلاف ، أو من ضعيفي الإيمان ، ممّن تنقدح الشبهات في ذهنه لأدنى عارض . وفي الرواية نفسها قرينة دالّة على علم الإمام ( عليه السلام ) بما سأل عنه ; لأنّ الرواي صرّح بقوله : التفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحداً . فممّا لا شكّ فيه أنّ الإمام ( عليه السلام ) كان يرى ما على يمين مخاطبيه ويسارهم ، وإنّما سألهم ذلك ليعلّمهم الحذر من الدخلاء عندما يتكلّمون بالعلوم الخاصّة . وهذا الحذر من اطّلاع الناس غير المؤهّلين على بعض العلوم تؤكّده سيرة الأئمّة ( عليهم السلام ) ; فها هو عليّ ( عليه السلام ) يقول : " اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة " ( 1 ) . وقال ( عليه السلام ) لكميل بن زياد : " إنّ ها هنا لعلماً جمّاً - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة ! بلى أصبت لقناً غير مأمون عليه ، مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنِعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحقّ ، لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل
1 - نهج البلاغة - تعليق الشيخ محمّد عبده - 1 / 41 ; والأرشية : جمع رشاء ، بمعنى : الحبل . والطوى : جمع طوية ، بمعنى : البئر .