الكثير من مفكّري أهل السُنّة وعلمائهم ، سواء المتقدّمين منهم - كما مرّ عن ابن عرفة - أو المتأخّرين ، ومن ذلك يقول الكاتب والمحامي الأردني أحمد حسين يعقوب في كتابه نظرية عدالة الصحابة : نظرية عدالة كلّ الصحابة تؤمِّن فوز معاوية في أية مقارعة بينه وبين هؤلاء الخصوم ; فلو قال آل محمّد إنّهم هم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، لانبرى معاوية وشيعته إلى الردّ الفوري عليهم : نحن أصحاب محمّد العدول لا يجوز علينا الكذب ولا يجوز علينا الخطأ ; لأنّنا في الجنّة ولا يدخل أحد منّا النار . ولو قال آل محمّد : مَن عادانا فقد عادى الله . لردّ معاوية وشيعته : نحن الصحابة أيضاً قال النبيّ فينا : " مَن آذى صحابياً فقد آذاني " . . . إلى آخره . ويختلط الحقّ بالباطل ، والعاصي بالمطيع ، والمحسن بالمسيء ( 1 ) . وهكذا كان لمعاوية وحزبه دور كبير في حرمان الأُمّة من سعادتها ونجاتها ، والحيلولة دون اتّباعها لأهل بيت النبوّة ( عليهم السلام ) ; بمحاربته لهم ، ومطاردته شيعتهم ومحبّيهم تحت كلّ حجر ومدر ( 2 ) ، وبتضييع الحقيقة
1 - نظرية عدالة الصحابة : 109 . 2 - قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقضي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ، ووجد الكاذبون الجاحدون بكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كلّ بلدة ، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنّا ما لم نقله ولم نفعله ; ليبغّضونا إلى الناس . . وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السلام ) ، فقتلت شيعتنا في كلّ بلدة وقطّعت الأيادي والأرجل على الضنّة ، وكلّ مَن يُذكَر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نهب ماله أو هدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة ، وأخذهم بكلّ ضنّة وتهمة ، حتّى أنّ الرجل ليقال له : زنديق ، أو : كافر ، أحبّ إليه من أن يقال : شيعة عليّ . انتهى . وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن : برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته . . فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ : أهل الكوفة ; لكثرة مَن بها من شيعة عليّ ( عليه السلام ) . . فاستعمل عليهم زياد بن سمية ، وضمّ إليه البصرة ، وكان يتتبّع الشيعة وهو عارف بهم ; لأنّه كان منهم أيّام عليّ ( عليه السلام ) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم ، وقطّع الأيدي والأرجل ، وسمّل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبقَ بها معروف منهم . وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة . . . إلى آخره . راجع : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 11 / 43 .