منحى النصّ الّذي أورده أوّل مرّة ، وغاية ما يريد إثباته من ذلك أنّ الإمام ( عليه السلام ) يعدّ الّذين قاتلهم في صِفّين من المسلمين لا غير : " فينبغي على كلّ عاقل ، محبّ لدينه وأُمّته ، أن يخرج الخلاف الّذي حصل بين الفريقين من الدين ، فالدين واحد بشهادة سيّدنا وإمامنا عليّ ( رضي الله عنه ) ، وبما أنّ القضية خرجت من الدين ودخلت في السياسة فقد انتهى وقتها ، وأصبحت مسألة تاريخية لا فائدة من تجديد البحث فيها من دون الانتباه إلى هذا القيد . وعلينا أن نرجع جميعاً إلى الدين الواحد ، الّذي كان عليه عليّ ومعاوية ، وهو دين الإسلام ، فالدين واحد ، والربّ واحد ، والنبيّ واحد ، والدعوة واحدة ; فعلامَ الخلاف ؟ ! " ( 1 ) . أقول : نعم ، إنّ الّذين قاتلهم الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في " صِفّين " كان ظاهرهم الإسلام ، ولكنّهم فُتنوا وغرّتهم الحياة الدنيا ، فجاروا عن الحقّ وصاروا - بسبب عنادهم وتعنتهم - بغاة ودعاة إلى النار ، بشهادة النبيّ الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه . . ومع علم الإمام ( عليه السلام ) بذلك كلّه ; لِما أخبره النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنهم ، لم يبخل ( عليه السلام ) عليهم بنصائحه ومواعظه حين جابهوه بالمعصية وخذلان الطاعة ، وهي النصائح الّتي لم يسمع المسلمون بمثلها من أحد قبله ، إلاّ من النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إلاّ أنّ أهل الشام وقائدهم معاوية لم يعتبروا بتلك النصائح الثمينة ، ولم تزجرهم تلك المواعظ الشديدة ، الّتي كان يبعثها الإمام ( عليه السلام ) إليهم ، والّتي يعجز عن الإتيان بها أبلغ البلغاء عندهم ، وما أفاؤوا - بعد