وعليه ، فلا يمكن أن يفتح الله للمسلمين باباً يؤدّي إلى الفرقة مع إمكان النصّ على الخليفة الّذي تجتمع عليه الأُمّة وتتّحد به الكلمة ، ولعلّه لذلك قال الشيخ أبو عليّ ابن سينا : والاستخلاف بالنصّ أصوب ; فإنّ ذلك - أي الشورى - يؤدّي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف ( 1 ) . 2 - إنّ منصب الخلافة الكبرى والإمامة العظمى من أهمّ المناصب الدينية الّتي تترتّب عليها أعظم المصالح وأشدّ المفاسد ، فلا يصحّ إيكالها إلى الناس الّذين لا يعلمون بخفايا النفوس وخبايا القلوب ; إذ لا يؤمن حينئذ من اختيار أهل الشقاق والنفاق خلفاء على المسلمين وأئمّة للمؤمنين ، فيحرّفون الكتاب ، ويبدلّون السُنّة ، ويحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام ، ويتّخذون عباد الله خولاً ومال المسلمين دولاً . 3 - إنّ الشورى مبنية على اختيار الأكثر ، والله سبحانه لم يجعل ذلك علامة على الحقّ ، بل ذمّ الكثرة في آيات كثيرة من كتابه العزيز ; فقال جلّ شأنه : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ( 2 ) . . وقال : { ولَقَدْ جَئْنَاكُم بِالحقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلحَقِ كَارِهُونَ } ( 3 ) . . وقال : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } ( 4 ) . . وقال : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ( 5 ) .
1 - راجع : إلهيات الشفاء : 564 . 2 - سورة الأنعام : الآية 116 . 3 - سورة الزخرف : الآية 78 . 4 - سورة يوسف : الآية 103 . 5 - سورة الأعراف : الآية 187 .