ولقد عزّ على بعض " الناس " ! من المتقدّمين أن يكون نهج البلاغة أُنموذجاً من كلام عليّ ، وصورة مصغّرة من منهجه العام في الدين والسياسة والإدارة العامّة للدولة ، ممّا أراد تطبيقه عندما آلت الخلافة إليه ، فتوجّهوا بسهام الشكّ نحوه زاعمين : " إنّه ليس كلام عليّ ، وإنّما الّذي جمعه ونسبه إليه هو الّذي وضعه " ( 1 ) . وقد تصدّى عدد من الكتّاب والأُدباء والباحثين إلى ردّ مزاعم هذه الفرية وإقامة البرهان على زيف هذه المزاعم وكذب هذه الادّعاءات . وكان في طليعة من تصدّى لتفنيد هذه الشبهة أديب عصره عزّ الدين ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في شرحه لل " نهج " ، ونروي في ما يلي فقرات ممّا كتبه هذا الأديب : " إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون : إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلام محدَث ، صنعه قوم من فصحاء الشيعة ، وربّما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن وغيره ، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم ، فضلّوا عن النهج الواضح . . . وأنا أُوضّح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط ، فأقول : لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولا ، أو بعضه . والأوّل باطل بالضرورة ; لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد نقل المحدِّثون كلّهم أو جُلّهم والمؤرّخون كثيراً منه ، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك .
1 - وفيات الأعيان - لابن خلكان - 3 / 3 ; وقد تابعه على زعمه هذا كلّ من : الصفدي في الوافي بالوفيات 2 / 375 ، واليافعي في مرآة الجنان 3 / 55 ، وابن حجر في : لسان الميزان 4 / 223 .