لكنّ الأمر ليس كذلك ; فما زالت آثار الخلافات بين الصحابة ، وخاصّة بين عليّ ( عليه السلام ) وخصومه ، سارية المفعول في جسد المسلمين إلى الآن ، والمسلمون منقسمون بشأنها بين مؤيد ومعارض ( 1 ) ، وليس من سبب لذلك إلاّ لقرب تلك الخلافات من مصادر التشريع الإسلامي ، وهما : الكتاب والسُنّة ، وخاصّة السُنّة النبوية المبيّنة للقرآن الكريم ، والّتي كان للأُمويين دور كبير في تشويهها وتحريفها بإدخال الكذب عليها ، وتسخير الأقلام المأجورة لوضع الأحاديث فيها ، والطعن في أهل بيت النبوّة الّذين أمر الله المسلمين بمودّتهم ، وأمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أُمّته بالتمسّك بهم من بعده مع القرآن الكريم ، وجعلهم أماناً للأُمّة من الاختلاف ، وهو - أي هذا الانقسام - مؤسف حقّاً ، خاصّة بعد معرفتنا بأحقيّة عليّ ( عليه السلام ) في مطالبه وحروبه ، كما تقدّم . قال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في شرح النهج عن شيخه أبي جعفر الإسكافي : إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ ( عليه السلام ) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين : عروة بن الزبير ( 1 ) .
1 - انظر : منهاج السُنّة - لابن تيمية - في عدّة مواضع منه لتجد تحامله على الإمام ( عليه السلام ) لحروبه مع أعدائه . . وإن شئت فانظر : المقالات السنّية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية - للشيخ عبد الله الهرري الشافعي - : 202 - 206 ; لتقف على تلك المواضع وردود الشيخ الهرري عليها . 2 - شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 4 / 63 .