هذا إذا جعلت الضمير للمنافقين على أن الآية فذلكة التمثيل ونتيجته ، وإن جعلته للمستوقدين ، فهي على حقيقتها . والمعنى : أنهم لما أوقدوا نارا فذهب اللَّه بنورهم ، وتركهم في ظلمات هائلة أدهشتهم بحيث اختلت حواسهم وانتقصت قواهم . وثلاثتها قرئت بالنصب على الحال من مفعول تركهم . والصمم : أصله صلابة من اكتناز الأجزاء ، ومنه قيل حجر أصم وقناة صماء ، وصمام القارورة ، سمي به فقدان حاسة السمع لأن سببه أن يكون باطن الصماخ مكتنزا لا تجويف فيه ، فيشتمل على هواء يسمع الصوت بتموجه . والبكم الخرس . والعمى : عدم البصر عما من شأنه أن يبصر وقد يقال لعدم البصيرة . * ( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) * لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه وضيعوه . أو عن الضلالة التي اشتروها ، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون ، وإلى حيث ابتدؤوا منه كيف يرجعون . والفاء للدلالة على أن اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم واحتباسهم . < صفحة فارغة > [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 19 ] < / صفحة فارغة > أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيه ظُلُماتٌ ورَعْدٌ وبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللَّه مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ( 19 ) * ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ) * عطف على الذي استوقد أي : كمثل ذوي صيب لقوله : * ( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ) * و * ( أَوْ ) * في الأصل للتساوي في الشك ، ثم اتسع فيها فأطلقت للتساوي من غير شك مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين ، وقوله تعالى : * ( ولا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) * . فإنها تفيد التساوي في حسن المجالسة ووجوب العصيان ومن ذلك قوله : * ( أَوْ كَصَيِّبٍ ) * ومعناه أن قصة المنافقين مشبهة بهاتين القصتين ، وأنهما سواء في صحة التشبيه بهما ، وأنت مخير في التمثيل بهما أو بأيهما شئت . والصيب : فيعل من الصوب ، وهو النزول ، يقال للمطر وللسحاب . قال الشماخ : وأسحم دان صادق الرعد صيّب وفي الآية يحتملهما ، وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر شديد . وتعريف السماء للدلالة على أن الغمام مطبق آخذ بآفاق السماء كلها فإن كل أفق منها يسمى سماء كما أن كل طبقة منها سماء ، وقال : ومن بعد أرض بيننا وسماء أمد به ما في الصيب من المبالغة من جهة الأصل والبناء والتنكير ، وقيل المراد بالسماء السحاب فاللام لتعريف الماهية . * ( فِيه ظُلُماتٌ ورَعْدٌ وبَرْقٌ ) * إن أريد بالصيب المطر ، فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر ، وظلمة غمامه مع ظلمة الليل وجعله مكانا للرعد والبرق لأنهما في أعلاه ومنحدره ملتبسين به . وإن أريد به السحاب ، فظلماته سحمته وتطبيقه مع ظلمة الليل . وارتفاعها بالظرف وفاقا لأنه معتمد على موصوف . والرعد : صوت يسمع من السحاب . والمشهور أن سببه اضطراب أجرام السحاب واصطكاكها إذا حدتها الريح من الارتعاد . والبرق ما يلمع من السحاب ، من برق الشيء بريقا ، وكلاهما مصدر في الأصل ولذلك لم يجمعا . * ( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ) * الضمير لأصحاب الصيب وهو وإن حذف لفظه وأقيم الصيب مقامه لكن معناه باق ، فيجوز أن يعول عليه كما عول حسان في قوله : يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل حيث ذكر الضمير لأن المعنى ماء بردى ، والجملة استئناف فكأنه لما ذكر ما يؤذن بالشدة والهول قيل : فكيف حالهم مع مثل ذلك ؟ فأجيب بها ، وإنما أطلق الأصابع موضع الأنامل للمبالغة . * ( مِنَ الصَّواعِقِ ) * متعلق بيجعلون أي من أجلها يجعلون ، كقولهم سقاه من الغيمة . والصاعقة قصفة رعد