responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) نویسنده : عبد الله بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي    جلد : 1  صفحه : 50


إلى اللَّه تعالى إما لأن الكل بفعله ، أو لأن الإطفاء حصل بسبب خفي ، أو أمر سماوي كريح أو مطر ، أو للمبالغة ولذلك عدي الفعل بالباء دون الهمزة لما فيها من معنى الاستصحاب والاستمساك ، يقال : ذهب السلطان بماله إذا أخذه ، وما أخذه اللَّه وأمسكه فلا مرسل له ، ولذلك عدل عن الضوء الذي هو مقتضى اللفظ إلى النور ، فإنه لو قيل : ذهب اللَّه بضوئهم احتمل ذهابه بما في الضوء من الزيادة وبقاء ما يسمى نورا ، والغرض إزالة النور عنهم رأسا ألا ترى كيف قرر ذلك وأكده بقوله * ( وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) * فذكر الظلمة التي هي عدم النور ، وانطماسه بالكلية ، وجمعها ونكرها ووصفها بأنها ظلمة خالصة لا يتراءى فيها شبحان . وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى ، وله مفعول واحد فضمن معنى صير ، فجرى مجرى أفعال القلوب كقوله تعالى : * ( وتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ ) * .
وقول الشاعر :
فتركته جزر السّباع ينشنه * يقضمن حسن بنانه والمعصم والظلمة مأخوذة من قولهم : ما ظلمك أن تفعل كذا ، أي ما منعك ، لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية .
وظلماتهم : ظلمة الكفر ، وظلمة النفاق ، وظلمة يوم القيامة * ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ ) * . أو ظلمة الضلال ، وظلمة سخط اللَّه ، وظلمة العقاب السرمدي ، أو ظلمة شديدة كأنها ظلمة متراكمة ، ومفعول * ( لا يُبْصِرُونَ ) * من قبيل المطروح المتروك فكأن الفعل غير متعد .
والآية مثل ضربه اللَّه لمن آتاه ضربا من الهدى فأضاعه ، ولم يتوصل به إلى نعيم الأبد فبقي متحيرا متحسرا ، تقريرا وتوضيحا لما تضمنته الآية الأولى ، ويدخل تحت عمومه هؤلاء المنافقون فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر ، وإظهاره حين خلوا إلى شياطينهم ، ومن آثر الضلالة على الهدى المجعول له بالفطرة ، أو ارتد عن دينه بعد ما آمن ، ومن صح له أحوال الإرادة فادعى أحوال المحبة فأذهب اللَّه عنه ما أشرق عليه من أنوار الإرادة ، أو مثّل لإيمانهم من حيث إنه يعود عليهم يحقن الدماء ، وسلامة الأموال والأولاد ، ومشاركة المسلمين في المغانم . والأحكام بالنار الموقدة للاستضاءة ، ولذهاب أثره وانطماس نوره بإهلاكهم وإفشاء حالهم بإطفاء اللَّه تعالى إياها وإذهاب نورها .
< صفحة فارغة > [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 18 ] < / صفحة فارغة > صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( 18 ) * ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) * لما سدوا مسامعهم عن الإصاخة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا الآيات بأبصارهم ، جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتفت قواهم كقوله :
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وكقوله :
أصمّ عن الشيء الَّذي لا أريده * وأسمع خلق اللَّه حين أريد وإطلاقها عليهم على طريقة التمثيل ، لا الاستعارة إذ من شرطها أن يطوي ذكر المستعار له ، بحيث يمكن حمل الكلام على المستعار منه لو لا القرينة كقول زهير :
لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف * له لبد أظفاره لم تقلم ومن ثم ترى المفلقين السحرة يضربون عن توهم التشبيه صفحا كما قال أبو تمام الطائي :
ويصعد حتى يظنّ الجهول * بأنّ له حاجة في السّماء وهاهنا وإن طوى ذكره بحذف المبتدأ لكنه في حكم المنطوق به ، ونظيره :
أسد عليّ وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصّافر

50

نام کتاب : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) نویسنده : عبد الله بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي    جلد : 1  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست