* ( يَحْزَنُونَ ) * الشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول ، وما مزيدة أكدت به إن ولذلك حسن تأكيد الفعل بالنون وإن لم يكن فيه معنى الطلب ، والمعنى : إن يأتينكم مني هدى بإنزال أو إرسال ، فمن تبعه منكم نجا وفاز ، وإنما جيء بحرف الشك ، وإتيان الهدى كائن لا محالة لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلا ، وكرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول ، وهو ما أتى به الرسل واقتضاه العقل ، أي : فمن تبع ما أتاه مراعيا فيه ما يشهد به العقل فلا خوف عليهم فضلا عن أن يحل بهم مكروه ، ولا هم يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه ، فالخوف على المتوقع والحزن على الواقع نفى عنهم العقاب وأثبت لهم الثواب على آكد وجه وأبلغه . وقرئ « هدى » على لغة هذيل و « لا خوف » بالفتح . < صفحة فارغة > [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 39 ] < / صفحة فارغة > والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ( 39 ) * ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) * عطف على * ( فَمَنْ تَبِعَ ) * إلى آخره قسيم له كأنه قال : ومن لم يتبع بل كفروا باللَّه ، وكذبوا بآياته ، أو كفروا بالآيات جنانا ، وكذبوا بها لسانا فيكون الفعلان متوجهين إلى الجار والمجرور . والآية في الأصل العلامة الظاهرة ، ويقال للمصنوعات من حيث إنها تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته ، ولكل طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل ، واشتقاقها من آي لأنها تبين آيا من أي أو من أوى إليه ، وأصلها أية أو أوية كتمرة ، فأبدلت عينها ألفا على غير قياس . أو أيية . أو أوية كرمكة فأعلت . أو آئية كقائلة فحذفت الهمزة تخفيفا . والمراد * ( بِآياتِنا ) * الآيات المنزلة ، أو ما يعمها والمعقولة . وقد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وجوه : الأول : أن آدم صلوات اللَّه عليه كان نبيا ، وارتكب المنهي عنه والمرتكب له عاص . والثاني : أنه جعل بارتكابه من الظالمين والظالم ملعون لقوله تعالى : أَلا لَعْنَةُ اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ ) * . والثالث : أنه تعالى أسند إليه العصيان ، فقال وعَصى آدَمُ رَبَّه فَغَوى ) * . والرابع : أنه تعالى لقنه التوبة ، وهي الرجوع عن الذنب والندم عليه . والخامس : اعترافه بأنه خاسر لولا مغفرة اللَّه تعالى إياه بقوله : وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) * والخاسر من يكون ذا كبيرة . والسادس : أنه لو لم يذنب لم يجر عليه ما جرى . والجواب من وجوه . الأول : أنه لم يكن نبيا حينئذ ، والمدعي مطالب بالبيان . والثاني : أن النهي للتنزيه ، وإنما سمي ظالما وخاسرا لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الأولى له . وأما إسناد الغي والعصيان إليه ، فسيأتي الجواب عنه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى . وإنما أمر بالتوبة تلافيا لما فات عنه ، وجرى عليه ما جرى معاتبة له على ترك الأولى ، ووفاء بما قاله للملائكة قبل خلقه . والثالث : أنه فعله ناسيا لقوله سبحانه وتعالى : فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَه عَزْماً ) * ولكنه عوتب بترك التحفظ عن أسباب النسيان ، ولعله وإن حط عن الأمة لم يحط عن الأنبياء لعظم قدرهم كما قال عليه الصلاة والسلام « أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل » . أو أدى فعله إلى ما جرى عليه على طريق السببية المقدرة دون المؤاخذة على تناوله ، كتناول السم على الجاهل بشأنه . لا يقال إنه باطل لقوله تعالى : ما نَهاكُما رَبُّكُما ) * ، وقاسَمَهُما ) * الآيتين ، لأنه ليس فيهما ما يدل على أن تناوله حين ما قال له إبليس ، فلعل مقاله أورث فيه ميلا طبيعيا ، ثم إنه كف نفسه عنه مراعاة لحكم اللَّه تعالى إلى أن نسي ذلك ، وزال المانع فحمله الطبع عليه .