والرابع : أنه عليه السلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه ، فإنه ظن أن النهي للتنزيه ، أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتتناول من غيرها من نوعها وكان المراد بها الإشارة إلى النوع ، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام « أخذ حريرا وذهبا بيده وقال : « هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها » . وإنما جرى عليه ما جرى تعظيما لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده . وفيها دلالة على أن الجنة مخلوقة وأنها في جهة عالية ، وأن التوبة مقبولة ، وأن متبع الهدى مأمون العاقبة ، وأن عذاب النار دائم ، وأن الكافر فيه مخلد ، وأن غيره لا يخلد فيه بمفهوم قوله تعالى : * ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) * . واعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ، وعقبها تعداد النعم العامة تقريرا لها وتأكيدا ، فإنها من حيث إنها حوادث محكمة تدل على محدث حكيم له الخلق والأمر وحده لا شريك له ، ومن حيث إن الإخبار بها على ما هو مثبت في الكتب السابقة ممن لم يتعلمها ، ولم يمارس شيئا منها إخبار بالغيب معجز يدل على نبوة المخبر عنها ، ومن حيث اشتمالها على خلق الإنسان وأصوله وما هو أعظم من ذلك ، تدل على أنه قادر على الإعادة كما كان قادرا على الإبداء ، خاطب أهل العلم والكتاب منهم ، وأمرهم أن يذكروا نعم اللَّه تعالى عليهم ، ويوفوا بعهده في اتباع الحق واقتفاء الحجج ليكونوا أول من آمن بمحمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وما أنزل عليه فقال : < صفحة فارغة > [ سورة البقرة ( 2 ) : آية 40 ] < / صفحة فارغة > يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ( 40 ) * ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) * أي أولاد يعقوب ، والابن من البناء لأنه مبني أبيه ، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه فيقال : أبو الحرب ، وبنت الفكر . وإسرائيل لقب يعقوب عليه السلام ومعناه بالعبرية : صفوة اللَّه ، وقيل : عبد الله وقرئ « إسرائل » بحذف الياء و « إسرال » بحذفهما و « إسراييل » بقلب الهمزة ياء . * ( اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) * أي بالتفكر فيها والقيام بشكرها ، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع ، فإذا نظر إلى ما أنعم اللَّه على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط ، وإن نظر إلى ما أنعم اللَّه به عليه حمله حب النعمة على الرضى والشكر . وقيل أراد بها ما أنعم اللَّه به على آبائهم من الإنجاء من فرعون والغرق ، ومن العفو عن اتخاذ العجل ، وعليهم من إدراك زمن محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقرئ * ( اذْكُرُوا ) * والأصل اذتكروا . ونعمتي بإسكان الياء وقفا وإسقاطها درجا هو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها . * ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي ) * بالإيمان والطاعة . * ( أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) * بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد ، ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثاني إلى المفعول ، فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب ، ووعد لهم بالثواب على حسناتهم ، وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتب الوفاء منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ، ومن اللَّه تعالى حقن الدم والمال ، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره ، ومن اللَّه تعالى الفوز باللقاء الدائم . وما روي عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما : أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، أوف بعهدكم في رفع الآصار والإغلال . وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب . أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم ، أوف بالكرامة والنعيم المقيم ، فبالنظر إلى الوسائط . وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى : أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة ، أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة . وتفصيل العهدين في سورة المائدة في قوله تعالى : ولَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) * إلى قوله : ولأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ ) * . وقرئ « أوفّ » بالتشديد للمبالغة . * ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) * فيما تأتون وتذرون وخصوصا في نقض العهد ، وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك