نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 654
والشافعية ، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض ، لأن القبض حكم من أحكامه ، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة ، فالقبض حكم من أحكام العقد ، وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لتمامه . وقوله : * ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَه ولْيَتَّقِ اللَّه رَبَّه ) * تفريع على أحكام الديون السابقة ، وحض على أداء الأمانة وعلى حسن المعاملة . أى : فإن أمن الدائن المدين واعتمد على ذمته ووفائه ولم يوثق الدين بالكتابة والشهود والرهن ، فعلى المدين أن يكون عند حسن ظن الدائن به بأن يؤدى ما عليه من ديون في الموعد المحدد بدون تسويف أو مماطلة ، وعليه كذلك أن يتقى اللَّه ربه في رعاية حقوق غيره فلا يجحدها ولا يتأخر في أدائها لأن اللَّه العليم بكل شيء سيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه . وعبر - سبحانه - بقوله : * ( فَإِنْ أَمِنَ ) * دون أو أودع ، للإشارة إلى الجانب الذي اعتمد عليه الدائن في المدين وهو خلق الأمانة ، فهو لا يرى فيه إلا جانبا مأمونا لا يتوقع منه شرا أو خيانة ، وللتنبيه إلى أن صفة الأمانة والوفاء من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون جميعا حتى ينالوا السعادة في دينهم ودنياهم ، عبر بقوله : * ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ) * ولم يقل فليؤد المدين لحضه : على الأداء بأحسن أسلوب ، لأنه ما دام الدائن قد ائتمنه على ما أعطاه من ديون ، فعلى هذا الذي اؤتمن وهو المدين أن يكون عند حسن الظن به وأن يرد إليه حقه في موعده مع شكره على حسن ظنه به . وقوله : * ( أَمانَتَه ) * أى دينه . والضمير يصح أن يعود إلى الدائن باعتباره مالك الدين ، وإلى المدين باعتبار أن الدين عليه ، وفي إضافتها - أى الأمانة - إلى المدين إشعار له بأنها عبء في ذمته يجب أن يؤديه حتى يتخلص من تكاليفه ، إذ الأمانة عبء ثقيل عند العقلاء الذين يشعرون بالمسئولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم . وجمع - سبحانه - بين صفتي الألوهية والربوبية في قوله : * ( ولْيَتَّقِ اللَّه رَبَّه ) * للمبالغة في التحذير من الخيانة والمماطلة فإنهما يغضبان اللَّه - تعالى - الذي خلق الإنسان ورباه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة ، ولإشعار هذا المدين بأن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدلها وثيقة أخرى من كتابة أو شهادة أو رهان . وبذلك نرى لونا من ألوان التدرج الحكيم في شريعة اللَّه - تعالى - فأنت ترى أن اللَّه - تعالى - قد بين قبل ذلك أن الكتابة في الديون والإشهاد عليها مطلوبان ، فإن تعذرت الكتابة والشهادة لسبب من الأسباب فإنه يترخص حينئذ بالرهن المقبوض .
654
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 654