نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 655
فإن تعذر على المدين المحتاج أن يدفع للدائن رهنا يكون الاعتماد على الأمانة التي هي صفة من صفات الصادقين . فيا له من تشريع حكيم ، بين للناس ما يصلح شأنهم في دينهم وفي دنياهم . ثم أمر اللَّه تعالى - عباده بأن يؤدوا الشهادة على وجهها وألا يكتموها فقال - تعالى - : * ( ولا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ومَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّه آثِمٌ قَلْبُه ) * . أى : وعليكم - أيها المؤمنون - ألا تمتنعوا عن أدائها إذا دعيتم إليها وألا تخفوها فإن الذي يخفيها ويمتنع عن أدائها يكون معاقبا من اللَّه - تعالى - بسبب ارتكابه لما نهى عنه . وقد أسند - سبحانه - الإثم إلى القلب خاصة مع أن الإثم يسند إلى الشخص ، لأن الإثم في كتمان الشهادة عمل القلب لا عمل الجوارح ، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر ، ففي الحديث الشريف : ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب « . قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا اقتصر على قوله * ( فَإِنَّه آثِمٌ ) * وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده ؟ قلت : كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها . فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد : هذا مما أبصرته عيني ، ووعاه قلبي . ولأن القلب هو رئيس الأعضاء فكأنه قيل : ومن يكتمها فقد تمكن الإثم من أصل نفسه ، وملك أشرف مكان فيه : ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام التي تتعلق باللسان فقط . وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه ، واللسان ترجمان عنه . ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح ، وهي لها كالأصول التي تتشعب عنها . ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر . وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب . وقوله : * ( آثِمٌ ) * خبر إن و * ( قَلْبُه ) * رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل : فإنه يأثم قلبه . ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء . وآثم خبر مقدم . والجملة خبر إن والضمير للشأن » « 1 » . ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : * ( واللَّه بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) * أى : واللَّه - تعالى - عليم بكل أعمالكم وأقوالكم وسائر شئونكم وسيجازى المحسنين إحسانا ، والمسيئين سوءا فعليكم أيها المؤمنون أن تستجيبوا لأوامر اللَّه ، وأن تجتنبوا ما نهاكم عنه حتى تكونوا من السعداء . فالجملة الكريمة تذييل قصد به الوعد الحسن للمؤمنين الصادقين ، والوعيد الشديد للعصاة
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 صفحة 329 .
655
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 655