نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 647
أى : وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين ، وذلك ليكون إملاؤه إقرارا به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها . وعليه كذلك أن يراقب اللَّه - تعالى - في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئا ، لأن هذا الإنقاص ظلم حرمه اللَّه - تعالى - . وقد أمر اللَّه - تعالى - بأن يكون الذي يملى على الكاتب هو المدين لأنه هو المكلف بأداء مضمون الكتابة ، ولأنه بإملائه يكون قد أقر على نفسه بما عليه ، ولأنه لو أفلس الدائن فربما يزيد في الدين ، أو يملى شيئا ليس محل اتفاق بينه وبين المدين ، ولأن المدين في الغالب في موقف ضعيف فأعطاه اللَّه - تعالى - حق الإملاء على الكاتب حتى لا يغبن من الدائن . فأنت ترى أن اللَّه - تعالى - قد مكن المدين من الإملاء على الكاتب حتى تكون الكتابة تحت سمعه وبصره وباختياره ، ولكنه في الوقت نفسه أوجب عليه أمرين : تقوى اللَّه وعدم الانقاص من الدين الذي عليه ، وإن ذلك لتشريع عادل حكيم لا ظلم فيه لا للدائن ولا للمدين . ثم بين - سبحانه - الحكم فيما إذا كان الذي عليه الدين لا يحسن الإملاء فقال - تعالى - : * ( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْه الْحَقُّ ) * وهو المدين * ( سَفِيهاً ) * أى جاهلا بالإملاء أو ناقص العقل ، أو متلافا مبذرا لا يحسن تدبير أمره « . * ( أَوْ ضَعِيفاً ) * بأن يكون صبيا أو شيخا تقدمت به الشيخوخة . * ( أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) * بأن يكون عييا أو أخرس أو لا خبرة له بإملاء أمثال هذه المكاتبات . * ( فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّه بِالْعَدْلِ ) * أى فعلى ولى أمره أو من يهمه شأنه ولا يرضى له أن يضيع حقه أن يتولى الإملاء متحريا الحق والعدل فيما يكلف به . وبعد هذا البيان الحكيم عن الكتابة وأحكامها في شأن الديون ، انتقل القرآن إلى الحديث عن الإشهاد فقال - تعالى - : * ( واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) * أى : اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات مؤجلة ، لأن هذا الإشهاد يعطى الديون والكتابة توثيقا وتثبيتا . والسين والتاء في قوله : « واستشهدوا » للطلب . قال الآلوسى : « وفي اختيار صيغة المبالغة في * ( شَهِيدَيْنِ ) * للإيماء إلى من تكررت منه الشهادة ، فهو عالم بها مقتدر على أدائها وكأن فيه رمزا إلى العدالة ، لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم ولعله لم يقل رجلين لذلك . والأمر للندب أو للوجوب على الخلاف على ذلك » « 1 » .
( 1 ) تفسير الآلوسى ج 3 ص 57 .
647
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 647