نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 534
والإحداد هو ترك الزينة ، وعدم التعرض للخطاب ، وعدم الخروج من منزل الزوجية إلا لضرورة . وفي الصحيحين أيضا عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول اللَّه إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكتحل ؟ فقال : لا - مرتين أو ثلاثا - ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة « . قال ابن كثير بعد أن ساق هذين الحديثين : قالت زينب بنت أم سلمة : كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا - أى مكانا ضيقا من البيت - ولبست شر ثيابها ولم تمس طبيا ولا شيئا حتى تمر سنة » « 1 » . وقال بعض العلماء : وقد حد الشارع للمتوفى عنها زوجها عدة هي في جملتها أكثر من عدة المطلقات ، لأن تلك ثلاثة قروء تجيء عادة في نحو ثلاثة أشهر . وهنا يرد سؤالان : أولهما : لما ذا كانت العدة في المتوفى عنها زوجها بالأشهر دون الحيض فلم تجعل أربع حيضات بدل ثلاث ؟ ولما ذا كانت الزيادة ؟ ولم نجد أحدا تصدى لبيان الحكمة في جعلها بالأشهر ، ويبدو لنا أن الحكمة التي تدركها عقولنا - وإن كانت الحكمة السامية قد تعلو على مدار كنا - : هي أن عدة الوفاة تكون للمدخول بها وغير المدخول بها وللصغيرة والكبيرة ، والأساس فيها هو الحداد على الزواج السابق الذي انتهى بوفاة أحد ركنيه ، فلزم أن يكون بأمر يشترك فيه الجميع مادام السبب واحدا في الجميع . وفوق ذلك أن العدة في الوفاة لو قدرت بالحيض وهو أمر لا يعلم إلا من جهة المرأة ، فربما تدفعها الرغبة في الزواج إلى الكذب فتدعيه وهو لم يقع ، وفي المطلقات العدة حق للمطلق فيستطيع أن ينكر عليها أما في حال الوفاة فصاحب الحق الأول قد مات وصار الحق للَّه خالصا . فحد ذلك الحق بالأشهر والأيام حتى لا يكون مساغا للكذب وادعاء ما لم يحصل ، لأن الأيام والأشهر تعرف بالكتاب والحساب وليست أمرا يعرف من جهتها فقط . أما الجواب عن الأمر الثاني وهو لما ذا كانت العدة بالوفاة أكثر في الجملة من العدة الناشئة عن الطلاق ؟ فيبدو بادى الرأى من الفرق بين حال الطلاق وحال الوفاة أن الطلاق نتيجة شقاق . فالحداد على الزوج الذي ينشئه ليس قويا ، ومعنى براءة الرحم وإعطاء الزوج فرصة للرجعة يكون أوضح في معنى العدة ، ويكفى لذلك نحو ثلاثة أشهر . أما حال الموت فمرارة الفراق فيها أوضح وأشد ، ومعنى الحداد فيها يغلب معنى براءة الرحم ، ولذا تجب على المدخول بها وغير المدخول بها ، وإن الشارع قد جعلها لذلك أطول من عدة الطلاق .
( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 185 .
534
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 534