نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 325
الكريمة على أن معصيتهم بالكتمان في أحط الدركات وأقبحها ، لأنهم عمدوا إلى ما أنزل اللَّه من هدى ، وجعله بينا للناس في كتاب يقرأ ، فكتموه قصدا مع تحقق المقتضى لإظهاره ، وإنما يفعل ذلك من بلغ الغاية في سفاهة الرأى ، وخبث الطوية . واللام في قوله : * ( لِلنَّاسِ ) * للتعليل ، أى : بيناه في الكتاب لأجل أن ينتفع به الناس ، وفي هذا زيادة تشنيع عليهم فيما أتوه من كتمان ، لأن فعلهم هذا مع أنه كتمان للحق ، فهو في الوقت نفسه اعتداء على مستحقه الذي هو في أشد الحاجة إليه . وقوله : * ( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّه ويَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * يفيد نهاية الغضب عليهم ، حتى لكأنهم تحولوا إلى ملعنة ينصب عليها اللعن من كل مصدر ، ويتوجه إليها من كل من يستطيع اللعن ويؤديه . والآية الكريمة وإن كانت نزلت في أهل الكتاب بسبب كتمانهم للحق ، إلا أن وعيدها يتناول كل من كتم علما نافعا ، أو غير ذلك من الأمور التي يقضى الدين بإظهارها ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومن شواهد هذا العموم ما جاء في صحيح البخاري عن أبى هريرة قال : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولو لا آيتان في كتاب اللَّه ما حدثت حديثا ثم تلا قوله - تعالى - : * ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ ) * إلى قوله : * ( الرَّحِيمُ ) * « 1 » . قال ابن كثير : وقد ورد في الحديث المسند من طرائق يشد بعضها بعضا عن أبى هريرة وغيره ، أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : « من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيام بلجام من نار » « 2 » . هذا ، وينبغي أن يعلم أن الإسلام وإن كان ينهى نهيا قاطعا عن كتم العلم الذي فيه منفعة للناس ، إلا أنه يوجب على أتباعه - وخصوصا العلماء - أن يحسنوا ما ينشرونه على الناس من علم ، ففي الحديث الشريف : حدثوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب اللَّه ورسوله . كما أنه يوجب عليهم أن يضعوا العلم في موضعه المناسب لمقتضى حال المخاطبين ، فليس كل ما يعلم يقال ، بل أحيانا يكون إخفاء بعض الأحكام مناسبا لأن إظهاره قد يستعمله الطغاة والسفهاء فيما يؤذى الناس ، وفي صحيح البخاري أن الحجاج قال لأنس بن مالك حدثني بأشد عقوبة عاقبها النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فذكر له أنس حديث العرنيين الذين قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل ، حيث قطع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا . فلما بلغ الحسن
( 1 ) أخرجه البخاري في كتاب العلم . باب حفظ العلم ج 1 ص 40 . ( 2 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 20 .
325
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 325