نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 324
والكتم والكتمان : إخفاء الشيء قصدا مع مسيس الحاجة إليه وتحقق الداعي إلى إظهاره . وكتم ما أنزل اللَّه يتناول إخفاء ما أنزله ، وعدم ذكره للناس وإزالته عن موضعه ووضع شيء آخر موضعه ، كما يتناول تحريفه بالتأويل الفاسد عن معناه الصحيح جريا مع الأهواء ، وقد فعل أهل الكتاب ولا سيما اليهود - كل ذلك . فقد كانوا يعرفون مما بين أيديهم من آيات أن رسالة محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حق ، ولكنهم كتموا هذه المعرفة حسدا له على ما آتاه اللَّه من فضله ، كما أنهم حرفوا كلام اللَّه وأولوه تأويلا فاسدا تبعا لأهوائهم . والمراد « بما أنزلنا » ما اشتملت عليه الكتب السماوية السابقة على القرآن من صفات النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومن هداية وأحكام . والمراد بالكتاب جنس الكتب ، فيصح حمله على جميع الكتب التي أنزلت على الرسل - عليهم السلام - . وقيل : المراد به التوراة . و * ( الْبَيِّناتِ ) * جمع بينة ، والمراد بها الآيات الدالة على المقاصد الصحيحة بوضوح ، وهي ما نزل على الأنبياء من طريق الوحى . والمراد « بالهدى » ما يهدى إلى الرشد مطلقا فهو أعم من البينات ، إذ يشمل المعاني المستمدة من الآيات البينات عن طريق الاستنباط ، والاجتهاد القائم على الأصول المحكمة . و « اللعن » الطرد والإبعاد من الرحمة . يقال : لعنه ، أى : طرده وأبعده ساخطا عليه ، فهو لعين وملعون . والمعنى : إن الذين يخفون عن قصد وتعمد وسوء نية ما أنزل اللَّه على رسله من آيات واضحة دالة على الحق ، ومن علم نافع يهدى إلى الرشد ، من بعد ما شرحناه وأظهرناه للناس في كتاب يتلى ، أولئك الذين فعلوا ذلك * ( يَلْعَنُهُمُ اللَّه ) * بأن يبعدهم عن رحمته * ( ويَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * أى ويلعنهم كل من تتأتى منه اللعنة - كالملائكة والمؤمنين - بالدعاء عليهم بالطرد من رحمة اللَّه لكتمانهم لما أمر اللَّه بإظهاره . وجملة * ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ . . . ) * إلخ ، مستأنفة لبيان سوء عاقبة الكاتمين لما أمر اللَّه بإظهاره ، وأكدت « بإن » للاهتمام بهذا الخبر الذي ألقى على مسامع الناس . وعبر في * ( يَكْتُمُونَ ) * بالفعل المضارع ، للدلالة على أنهم في الحال كاتمون للبينات والهدى ، ولو وقع بلفظ الماضي لتوهم السامع أن المقصود به قوم مضوا ، مع أن المقصود إقامة الحجة على الحاضرين . وقوله : * ( مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاه لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) * متعلق بيكتمون ، وقد دلت هذه الجملة
324
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 324