نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 207
استقر في قلوبهم كما يخالط الماء أعماق الجسد . وحذف لفظ الحب من الجملة الكريمة ، يشعر بشدة تعلق قلوبهم بالعجل حتى لكأنهم أشربوا ذاته . والتعبير بقوله : * ( أُشْرِبُوا ) * يشير إلى أنه بلغ حبهم العجل مبلغ الأمر الذي لا اختيار لهم فيه كأن غيرهم أشربهم إياه . وقوله تعالى : * ( بِكُفْرِهِمْ ) * دليل على أن محبتهم للعجل ناشئة عن كفر سابق ، وجحود متأصل فكفرهم الذي ترتب على عبادتهم للعجل ، قد سبقه كفر آخر ، فهو كفر على كفر . ثم أمر اللَّه - تعالى - نبيه في ختام الآية الكريمة بتوبيخهم فقال تعالى : * ( قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِه إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * أى : قل - يا محمد - لهؤلاء اليهود الذين يدعون الإيمان بما أنزل عليهم - قل لهم - بئس الشيء الذي يأمركم به إيمانكم قتل الأنبياء وعبادة العجل والعصيان إن كنتم مصدقين - كما زعمتم - بالتوراة ، والحق أن التوراة ما أمرتكم بشيء من ذلك فما أنتم بمؤمنين بها ولا بغيرها من كتب اللَّه ، لأنها لا تأمر بالفحشاء . فالجملة الكريمة خلاصة لإبطال قولهم « نؤمن بما أنزل علينا » بعد أن أبطله اللَّه - تعالى - فيما سبق بشواهد متعددة ، لأنهم لما زعموا ذلك ، وكانوا مع هذا يفعلون أفعالا قبيحة تناقض الإيمان بأى كتاب سماوي ، أمر اللَّه - تعالى - رسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يذمهم على هذه الأفعال التي تناقض الإيمان بما أنزل عليهم لكي يعلم الناس جميعا أن دعواهم لا أساس لها من الصحة . وأضاف - سبحانه - الإيمان إليهم فقال * ( إِيمانُكُمْ ) * ولم يقل الإيمان ، لأنه ليس إيمانا صحيحا وإنما هو إيمان مزعوم ، فإضافة الإيمان إليهم من باب التهكم بهم والاستهزاء بعقولهم . وقوله تعالى : * ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * تشكيك في إيمانهم بالتوراة ، وقدح في صحة دعواهم فإن الإيمان الحق إنما يأمر بعبادة اللَّه وحده ، وينهى عن عبادة سواه وعن ارتكاب السوء والفحشاء . فالجملة الكريمة في معنى النفي لادعائهم الإيمان بالتوراة لأنها ما أمرت بشيء يبغضه اللَّه تعالى . قال الإمام ابن جرير : وقوله : * ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * أى إن كنتم مصدقين كما زعمتم بما أنزل اللَّه عليكم . وإنما كذبهم اللَّه بذلك لأن التوراة تنهى عن ذلك كله ، وتأمر بخلافه ، فأخبرهم أن تصديقهم بالتوراة إن كان يأمرهم بذلك ، فبئس الأمر تأمر به . وإنما ذلك نفى من اللَّه تعالى - عن التوراة أن تكون تأمر بشيء مما يكرهه اللَّه من أفعالهم وأن يكون التصديق بها يدل على شيء من مخالفة أمر اللَّه ، وإعلام منه - جل ثناؤه - أن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم ،
207
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 207