نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 206
ومعنى قوله تعالى : * ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واسْمَعُوا ) * : قلنا لكم خذوا ما أمرناكم به في التوراة بجد واجتهاد في تأديته ، واسمعوا ما تؤمرون به سماع طاعة وتفهم . فقوله تعالى * ( واسْمَعُوا ) * ليس المراد به مجرد السماع للقول فقط ، بل المقصود منه السماع الذي يصحبه التدبر والاستجابة للأمر : فهو مؤكد ومقرر لقوله تعالى : * ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) * . ثم حكى - سبحانه - جوابهم الذي يدل على عنادهم فقال : * ( قالُوا سَمِعْنا وعَصَيْنا ) * . قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف طابق قوله جوابهم ؟ قلت طابقه من حيث إنه قال لهم اسمعوا : وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة ، فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة « 1 » . وقد اختلف المفسرون هل صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا أو أنهم فعلوا فعلا مقام القول فيكون مجازا ؟ قال الفخر الرازي : الأكثرون من المفسرين على أنهم قالوا هذا القول حقيقة . وقال أبو مسلَّم : وجائز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان فعبر عن ذلك بالقول ولم يقولوه ، كقوله تعالى فَقالَ لَها ولِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ . قال : والأول أولى لأن صرف الكلام عن ظاهره بغير دليل لا يجوز « 2 » . وقوله تعالى : * ( وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) * عطف على قولهم سمعنا وعصينا والإشراب السقي وجعل الشيء شاربا ، واستعمل على وجه التجوز في خلط لون بآخر كأن أحد اللونين سقى الآخر ، يقال : بياض مشرب بحمرة أى مختلط ، وفلان أشرب قلبه حب كذا بمعنى خالط حبه قلبه . قال الإمام الرازي : قوله تعالى : * ( وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) * في وجه هذه الاستعارة وجهان : الأول : معناه تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب ، وقوله في قلوبهم بيان لمكان الإشراب كقوله : إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ، الثاني : كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض ، فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال « 3 » . وفي الجملة الكريمة * ( وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) * مضاف محذوف وهو لفظ ( حب ) لدلالة المعنى عليه . والمعنى : إن هؤلاء اليهود الذين مردوا على العصيان قد خالط حب العجل نفوسهم حتى
( 1 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 225 . ( 2 ) تفسير الفخر الرازي ج 1 ص 432 . ( 3 ) تفسير الرازي ج 1 ص 432 .
206
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 206