نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 208
والذي يحملهم عليه البغي والعدوان » « 1 » . وبذلك تكون الآيات الكريمة قد أقامت الأدلة المتعددة ، والبراهين القاطعة على كذب اليهود في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم ، ووبختهم على مزاعمهم الباطلة ، وأقوالهم الفاسدة . هذا ، ولفضيلة أستاذنا الدكتور محمد عبد اللَّه دراز كلام رصين عند حديثه عن هذه الآيات ، فقد قال - رحمه اللَّه - : يقول اللَّه تعالى في ذكر حجاج اليهود : * ( وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّه ، قالُوا : نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا ، ويَكْفُرُونَ بِما وَراءَه ، وهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ ، قُلْ : فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّه مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . . . ) * . هذا قطعة من فصل من قصة بنى إسرائيل ، والعناصر الأصلية التي تبرزها لنا هذه الكلمات القليلة تتلخص فيما يلي : 1 - مقالة ينصح بها الناصح لليهود : إذ يدعوهم إلى الإيمان بالقرآن . 2 - إجابتهم لهذا الناصح بمقالة تنطوى على مقصدين . 3 - الرد على هذا الجواب بركنيه من عدة وجوه . وأقسم لو أن محاميا بليغا وكلت إليه الخصومة بلسان القرآن في هذه القضية ، ثم هدى إلى استنباط هذه المعاني التي تختلج في نفس الداعي والمدعو لما وسعه في أدائها أضعاف أضعاف هذه الكلمات ، ولعله بعد ذلك لا يفي بما حولها من إشارات واحتراسات وآداب وأخلاق . قال الناصح لليهود : آمنوا بالقرآن كما آمنتم بالتوراة ، ألستم قد أمنتم بالتوراة التي جاء بها . موسى لأنها أنزلها اللَّه ؟ فالقرآن الذي جاء به محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنزله اللَّه ، فآمنوا به كما آمنتم بها . فانظر كيف جمع القرآن هذا المعنى الكثير في هذا اللفظ الوجيز * ( آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّه ) * . وسر ذلك أنه عدل بالكلام عن صريح اسم القرآن إلى كنايته . فجعل دعاءهم إلى الإيمان به دعاء إلى الشيء بحجته ، وبذلك أخرج الدليل والدعوى في لفظ واحد . ثم انظر كيف طوى ذكر المنزل عليه فلم يقل : آمنوا بما أنزل اللَّه ( على محمد ) ، مع أن هذا جزء متمم لوصف القرآن المقصود بالدعوة . أتدري لم ذلك ؟ لأنه لو ذكر لكان في نظر الحكمة البيانية زائدا ، وفي نظر الحكمة الإرشادية مفسدا .
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 424 .
208
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 208