نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 18
وقد افتتحت سورة الفاتحة بهذه الجملة الكريمة * ( الْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ ) * لأنه سبحانه أول كل شيء وآخر كل شيء ، ولكي يعلمنا - سبحانه - أن نبدأ كتبنا وخطبنا بالحمد والثناء عليه ، حتى نبدأ ونحن في صلة باللَّه تكشف عن النفوس أغشيتها ، وتجلو عن القلوب أصداءها . والمعنى - كما قال ابن جرير - « الشكر خالصا للَّه - جل ثناؤه - دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد . ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذاهم به من نعيم العيش ، عن غير استحقاق لهم عليه ، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم . لربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا « 1 » . فالآية الكريمة قد قررت بصراحة ووضوح ثبوت الثناء المطلق الذي لا يحد للَّه - تعالى - وإنه ليس لأحد أن ينازعه إياه - سبحانه - هو رب العالمين . وجملة * ( الْحَمْدُ لِلَّه ) * مفيدة لقصر الحمد عليه - سبحانه - نحو قولهم : « الكرم في العرب » . كما أن أل في « الحمد » للاستغراق . أى : أن جميع أجناس الحمد ثابتة للَّه رب العالمين . وإنما كان الحمد مقصورا في الحقيقة على اللَّه ، لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء فهو صادر عنه ومرجعه إليه ، إذ هو الخالق لكل شيء ، وما يقدم إلى بعض الناس من حمد جزاء إحسانهم ، فهو في الحقيقة حمد للَّه ، لأنه - سبحانه - هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه . ولم تفتتح السورة بصيغة الأمر بأن يقال : احمدوا اللَّه ، وإنما افتتحت بصيغة الخبر * ( الْحَمْدُ لِلَّه ) * ، لأن الأمر يقتضى التكليف : والتكليف قد تنفر منه النفوس أحيانا ، فأراد - سبحانه - وهو يبادئهم بشرعة جديدة وتكاليف لم يعهدوها ، أن يؤنس نفوسهم ، ويؤلف قلوبهم ، فساق لهم الخطاب بصيغة الخبر ، ترفقا بهم ، حتى يديموا الإصغاء لما سيلقيه عليهم من تكاليف . وقد تكلم بعض المفسرين عن الحكمة في ابتداء السورة الكريمة بقوله - تعالى - * ( الْحَمْدُ لِلَّه ) * ، دون قوله - تعالى - : المدح للَّه ، أو : الشكر للَّه . فقال : اعلم أن المدح أعم من الحمد ، والحمد أعم من الشكر . أما بيان أن المدح أعم من الحمد فلأن المدح يحصل للعاقل وغير العاقل ، ألا ترى أنه كما يحسن مدح الرجل العاقل على أنواع فضائله ، فكذلك قد يمدح اللؤلؤ لحسن شكله . أما الحمد فإنه لا يحصل إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإنعام والإحسان ، فثبت أن المدح أعم من الحمد .
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 135 طبعة دار المعارف .
18
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 18