responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 19


وأما بيان أن الحمد أعم من الشكر ، فلأن الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام . سواء أكان ذلك الإنعام وأصلا إليك أم إلى غيرك . وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك ، فثبت بما ذكرنا أن المدح أعم من الحمد ، وأن الحمد أعم من الشكر .
إذا عرفت هذا فنقول : إنما لم يقل : المدح للَّه ، لأننا بينا أن المدح كما يحصل للفاعل المختار فقد يحصل لغيره . وأما الحمد فإنه لا يحصل إلا للفاعل المختار . فكان قوله « الحمد للَّه » تصريحا بأن المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة . . . وإنما لم يقل : الشكر للَّه ، لأننا بينا أن الشكر عبارة عن تعظيمه بسبب إنعام صدر منه ووصل إليك ، وهذا يشعر بأن العبد إذا ذكر تعظيمه بسبب ما وصل إليه من النعمة . فحينئذ يكون المطلوب الأصلى له وصول النعمة إليه . وهذه درجة حقيرة . فأما إذا قال « الحمد للَّه » ، فهذا يدل على أن العبد حمده لأجل كونه مستحقا للحمد لا لخصوص أنه - سبحانه - أوصل النعمة إليه ، فيكون الإخلاص أكمل ، واستغراق القلب في مشاهدة نور الحق أتم ، وانقطاعه عما سوى الحق أقوى وأثبت « 1 » .
وقد أجرى - سبحانه - على لفظ الجلالة نعت الربوبية للعالمين ، ليكون كالاستدلال على استحقاقه - تعالى - للحمد وحده ، وفي ذلك إشعار لعباده بأنهم مكرمون من ربهم ، إذ الأمر بغير توجيه فيه إيماء إلى إهمال عقولهم ، أما إذا كان موجها ومعللا فإنه يكون فيه إشعار لهم برعاية ناحية العقل فيهم ، وفي تلك الرعاية تشريف وتكريم لهم .
فكأنه - سبحانه - يقول لهم : اجعلوا حمدكم وثناءكم لي وحدي . لأنى أنا رب العالمين .
وأنا الذي تعهدتكم برعايتي وعنايتي وتربيتي منذ تكوينكم من الطين حتى استويتم عقلاء مفكرين .
وقد أتبع - سبحانه - هذا الوصف وهو * ( رَبِّ الْعالَمِينَ ) * ، بوصف آخر هو * ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) * لحكم سامية من أبرزها : أن وصفه - تعالى - * ( رَبِّ الْعالَمِينَ ) * أى : مالكهم ، قد يثير في النفوس شيئا من الخوف أو الرهبة ، فإن المربى قد يكون خشنا جبارا متعنتا ، وذلك مما يخدش من جميل التربية ، وينقص من فضل التعهد .
لذا قرن - سبحانه - كونه مربيا ، بكونه الرحمن الرحيم ، لينفى بذلك هذا الاحتمال ، وليفهم عباده بأن ربوبيته لهم مصدرها عموم رحمته وشمول إحسانه ، فهم برحمته يوجدون ، وبرحمته يتصرفون ويرزقون ، وبرحمته يبعثون ويسألون .


( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 4 ص 3 طبعة المطبعة الشرقية سنة 1334 ه .

19

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 19
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست