نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 176
البيان عن وقت الخطاب ، وإنما هو تشريع طارئ قصد منه تأديبهم على تعنتهم ولجاجهم وكثرة أسئلتهم . وقد جاءت تعاليم الإسلام بالنهى عن كثرة السؤال قال تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، وإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّه عَنْها واللَّه غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ . وفي الحديث الشريف : « ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ما استطعتم » « 1 » . قال صاحب النار : « وقد امتثل سلفنا لأمر اللَّه فلم يشددوا على أنفسهم ، فكان الدين عندهم فطريا وحنيفيا سمحا ، ولكن من خلفهم عمد إلى ما عفا اللَّه عنه فاستخرج له أحكاما استنبطها باجتهاده ، حتى صار الدين حملا ثقيلا على الأمة فسئمته وملت وألقته وتخلت » « 2 » . 4 - قال الإمام ابن القيم - رحمه اللَّه - : وفي هذه القصة أنواع من العبر منها . ( أ ) أنه لا يجوز مقابلة أمر اللَّه الذي لا يعلم المأمور به وجه الحكمة فيه بالإنكار ، فإن القوم لما قال لهم نبيهم * ( إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) * قابلوا هذا الأمر بقولهم : * ( أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ) * فلما لم يعلموا وجه الحكمة في ارتباط هذا الأمر بما سألوا عنه قالوا « أتتخذنا هزوا » . وهذا من غاية جهلهم باللَّه ورسوله ، فإنه أخبرهم عن أمر اللَّه لهم بذلك ، ولم يكن هو الآمر به ، ولو كان هو الآمر به لم يجز لمن آمن بالرسول أن يقابل أمره بذلك فلما قال لهم : * ( أَعُوذُ بِاللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ) * وتيقنوا أن اللَّه - تعالى - أمره بذلك ، أخذوا في التعنت بسؤالهم عن عينها ولونها ، فلما أخبروا عن ذلك رجعوا إلى السؤال مرة ثالثة ، فلما تعينت لهم ولم يبق إشكال توقفوا في الامتثال ، ولم يكادوا يفعلون . ثم من أقبح جهلهم وظلمهم قولهم لنبيهم : * ( الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) * فإن أرادوا بذلك : أنك لم تأت بالحق قبل ذلك في أمر البقرة ، فتلك ردة وكفر ظاهر ، وإن أرادوا : أنك الآن بينت لنا البيان التام في تعيين البقرة المأمور بذبحها فذلك جهل ظاهر ، فإن البيان قد حصل بقوله : * ( إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) * فإنه لا إجمال في الأمر ولا في الفعل ولا في المذبوح فقد جاء رسول اللَّه بالحق من أول مرة .
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 347 . ( 2 ) تفسير المنار ج 1 ص 346 .
176
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 176