نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 175
تنجم عنها العيون النابعة ، والآبار الجوفية المفيدة . ومنها ما ينقاد لأوامر اللَّه عن طواعية وامتثال . أما قلوبكم أنتم فلا يصدر عنها نفع ، ولا تتأثر بالعظات والعبر ، ولا تنقاد للحكم التي من شأنها هداية النفوس . وقوله تعالى : * ( ومَا اللَّه بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) * تهديد وتخويف ، حيث إنه - سبحانه - سيحاسبهم على أعمالهم ، وسيذيقهم ما يستحقونه من عقاب جزاء جحودهم لنعمه ، وعصيانهم لأمره . وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت بنى إسرائيل بما هم أهله . من قساوة القلب وانطماس البصيرة ، وعدم التأثر بالعظات مهما كثرت . وبالآيات مهما توالت . ما يؤخذ من هذه القصة من العظات والعبر : اشتملت هذه القصة على كثير من العظات والتوجيهات الإلهية من ذلك . 1 - دلالتها على ما جبل عليه بنو إسرائيل من فظاظة وغلظة ، وسوء أدب مع مرشديهم ، وإحفاء في الأسئلة بلا موجب ، وعدم استعداد للتسليم بما يأتيهم به الرسل ، ومما طلة في الانصياع للتكاليف ، وانحراف عن الطريق المستقيم . 2 - دلالتها على صدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فيما يبلغه عن ربه ، فقد أخبر في هذه القصة الواقعية التي لم يشهد حوادثها بما أوحاه اللَّه إليه وهذا الإخبار من أعلام نبوته صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كما أنها تدل على صدق نبوة موسى - عليه السلام - وأنه رسول من رب العالمين . 3 - دلالتها على أن التنطع في الدين ، والإلحاف في المسألة يؤديان إلى التشديد في الأحكام ، لأن بنى إسرائيل لو أنهم أول الأمر عمدوا إلى ذبح أى بقرة لأجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد اللَّه عليهم . أخرج ابن جرير - رحمه اللَّه - عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - قال : « لو أن القوم أخذوا أدنى بقرة لأجزأتهم . لكنهم شددوا فشدد اللَّه عليهم » « 1 » . وقد أدى بهم هذا التنطع والتشديد إلى تضييق دائرة اختيارهم ، وتكثير للشروط التي يجب توافرها في البقرة المطلوبة ، وذلك لتأديبهم على مما طلتهم وبلادة عقولهم ، وسوء تلقيهم للشريعة بأنواع من التقصير عملا وشكرا وفهما ، وبذلك يعلم أن ما كلفهم اللَّه به أولا هو ذبح بقرة ما ، وأن ما أمروا به بعد ذلك من كونها صفراء سالمة من آثار الخدمة ليس من باب تأخير
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 347 .
175
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 175